ففي قول المولى: «إذا استطعت فحجّ» لا يكون مجرّد تحقّق الاستطاعة كافياً في وجوب الحجّ على المكلّف، و إنّما هو مهيّئ لموضوع الحكم، فإذا قطع المكلّف بالحكم أي وجوب الحجّ على المستطيع تنجّز في حقه.
و بذلك يتّضح أنّ القطع بالخمرية في مثل قول الشارع: «ما تقطع بأنّه خمر حرام» لا يكون منجّزاً للحرمة، و إنما يهيّئ موضوع هذا الحكم كالاستطاعة في المثال السابق و أمّا الذي ينجّز هذا الحكم فهو القطع ب «أنّ مقطوع الخمرية حرام» لأنّ القطع في هذه الحالة طريق إلى الحكم و كاشف عنه؛ فيكون منجّزاً بسبب كاشفيّته.
القطع الطريقي و الموضوعي في آن واحد
قد يكون القطع طريقياً و موضوعياً في آن واحد، ففي قول المولى: «الخمر حرام» ثمّ قوله: «من قطع بحرمة الخمر يحرم عليه بيعه» نجد أنّ موضوع الحكم الأوّل هو: الخمر، و محموله هو: حرام، و أنّ موضوع الحكم الثاني هو: من قطع بحرمة الخمر، و محموله هو: حرمة بيع الخمر. فلو قطع المكلّف بالخمر و قطع بالحرمة تنجّز الحكم الأوّل في حقّه، و أمّا لو قطع بالخمر و حرمته في الحكم الثاني فإنّه سيكون قد هيّأ الموضوع لحرمة بيع الخمر، و سيحتاج إلى قطع آخر لكي يتنجّز هذا الحكم في حقّه.
و لذا صحّ القول بأنّ القطع بحرمة الخمر بالنسبة إلى الحكم الأوّل قطع طريقيّ لأنّه نجّزه، و بالنسبة إلى الحكم الثاني قطع موضوعيّ؛ لأنّه هيّأ الموضوع لحرمة بيع الخمر.