أخو قفرات حالف الجنّ و انتفى # من الإنس حتّى قد تقضّت وسائله
له نسب الإنسيّ يعرف نجله # و للجنّ منه خلقه و شمائله
و ممّا زادهم في هذا الباب، و أغراهم به، و مدّ لهم فيه، أنهم ليس يلقون بهذه الأشعار و بهذه الأخبار إلا أعرابيّا مثلهم، و إلا عامّيّا لم يأخذ نفسه قط بتمييز ما يستوجب التّكذيب و التّصديق، أو الشّكّ، و لم يسلك سبيل التوقف و التثبّت في هذه الأجناس قطّ. و إمّا أن يلقوا راوية شعر، أو صاحب خبر، فالرّاوية كلّما كان الأعرابيّ أكذب في شعره كان أطرف عنده، و صارت روايته أغلب، و مضاحيك حديثه أكثر فلذلك صار بعضهم يدّعي رؤية الغول، أو قتلها، أو مرافقتها، أو تزويجها؛ و آخر يزعم أنّه رافق في مفازة نمرا. فكان يطاعمه و يؤاكله، فمن هؤلاء خاصّة القتّال الكلابي؛ فإنّه الذي يقول[2]: [من الطويل]
أ يرسل مروان الأمير رسالة # لآتيه إني إذا لمصلّل[3]
و ما بي عصيان و لا بعد منزل # و لكنّني من خوف مروان أوجل
و في باحة العنقاء أو في عماية # أو الأدمى من رهبة الموت موئل[4]
و لي صاحب في الغار هدّك صاحبا # هو الجون إلاّ أنه لا يعلّل
إذا ما التقينا كان جلّ حديثنا # صمات و طرف كالمعابل أطحل[5]
تضمّنت الأروى لنا بطعامنا # كلانا له منها نصيب و مأكل[6]
فأغلبه في صنعة الزّاد إنّني # أميط الأذى عنه و لا يتأمّل
و كانت لنا قلت بأرض مضلّة # شريعتنا لأيّنا جاء أوّل[7]
كلانا عدوّ لو يرى في عدوّه # محزّا و كلّ في العداوة مجمل[8]
[1]البيتان في أشعار اللصوص 225-226، و تقدما ص 439.
[2]ديوان القتال الكلابي 77، و أشعار اللصوص 525-526.