و تعجّبي من أبي نواس، و قد كان جالس المتكلمين أشدّ من تعجّبي من حمّاد، حين يحكي عن قوم من هؤلاء قولا لا يقوله أحد. و هذه قرّة عين المهجوّ.
و الذي يقول: سبحان ماني يعظم أمر عيسى تعظيما شديدا فكيف يقول: إنّه من قبل شيطان؟! و أما قوله: «فنفسه خلقته أم من» فإنّ هذه مسألة نجدها ظاهرة على ألسن العوامّ. و المتكلمون لا يحكون هذا عن أحد.
و في قوله: «و الوالبيّ الهجان» دليل على أنّه من شكلهم.
و العجب أنّه[2]يقول في أبان: إنّه ممّن يتشبه بعجرد و مطيع، و والبة بن الحباب، و عليّ بن الخليل[3]، و أصبغ[4]-و أبان فوق ملء الأرض من هؤلاء، و لقد كان أبان، و هو سكران، أصحّ عقلا من هؤلاء و هم صحاة. فأمّا اعتقاده فلا أدري ما أقول لك فيه: لأنّ النّاس لم يؤتوا في اعتقادهم الخطأ المكشوف، من جهة النظر.
و لكن للنّاس تأسّ و عادات، و تقليد للآباء و الكبراء، و يعملون على الهوى، و على ما يسبق إلى القلوب، و يستثقلون التّحصيل، و يهملون النّظر، حتى يصيروا في حال متى عاودوه و أرادوه، نظروا بأبصار كليلة، و أذهان مدخولة، و مع سوء عادة. و النّفس لا تجيب و هي مستكرهة. و كان يقال: «العقل إذا أكره عمي» . و متى عمي الطّباع و جسا و غلط و أهمل، حتّى يألف الجهل، لم يكد يفهم ما عليه و له. فلهذا و أشباهه قاموا على الإلف، و السّابق إلى القلب.