نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 4 صفحه : 441
أعرابا، و مثل هذا الامتحان من مجّاعة كثير، و لعمري إنّ المتنبئ ليخدع ألفا مثل قيس ابن زهير، قبل أن يخدع واحدا من آخر المتكلمين، و إن كان ذلك المتكلم لا يشقّ غبار قيس فيما قيس بسبيله.
قال مسيلمة: فإن أنا سألت اللّه ذلك، فانتبه له حتى يطير و أنتم ترونه، أ تعلمون أني رسول اللّه إليكم؟قالوا: نعم. قال: فإني أريد أن أناجي ربّي، و للمناجاة خلوة، فانهضوا عنّي، و إن شئتم فادخلوه هذا البيت و أدخلوني معه، حتى أخرجه إليكم السّاعة في الجناحين يطير، و أنتم ترونه. و لم يكن القوم سمعوا بتغريز الحمام، و لا كان عندهم باب الاحتياط في أمر المحتالين. و ذلك أن عبيدا الكيّس، فإنّه المقدّم في هذه الصناعة، لو منعوه السّتر و الاختفاء، لما وصل إلى شيء من عمله جلّ و لا دقّ؛ و لكان واحدا من النّاس.
فلما خلا بالطائر أخرج الريش الذي قد هيّأه، فأدخل طرف كلّ ريشة ممّا كان معه، في جوف ريش الحمام المقصوص، من عند المقطع و القصّ. و قصب الرّيش أجوف، و أكثر الأصول حداد و صلاب. فلما وفّى الطّائر ريشه صار في العين كأنّه برذون موصول الذّنب، لا يعرف ذلك إلاّ من ارتاب به. و الحمام بنفسه قد كان له أصول ريش، فلما غرّزت تمت فلما أرسله من يده طار. و ينبغي ألاّ يكون فعل ذلك بطائر قد كانوا قطوه بعد أن ثبت عندهم. فلما فعل ذلك ازداد من كان آمن به بصيرة، و آمن به آخرون لم يكونوا آمنوا به، و نزع منهم في أمره كلّ من كان مستبصرا في تكذيبه.
قال: ثمّ إنّه قال لهم-و ذلك في مثل ليلة منكرة الرّياح مظلمة، في بعض زمان البوارح[1]-إنّ الملك على أن ينزل إليّ، و الملائكة تطير، و هي ذوات أجنحة، و لمجيء الملك زجل و خشخشة و قعقعة، فمن كان منكم ظاهرا فليدخل منزله؛ فإنّ من تأمّل اختطف بصره! ثمّ صنع راية من رايات الصّبيان التي تعمل من الورق الصّينيّ، و من الكاغد[2]، و تجعل لها الأذناب و الأجنحة، و تعلّق في صدورها الجلاجل[3]، و ترسل يوم الرّيح بالخيوط الطّوال الصّلاب.
[1]البوارح: جمع بارحة، و هي الريح الشديدة التي تحمل التراب.