نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 4 صفحه : 394
الحيّات. و من جعل للحيّات مشيا من الشعراء، أكثر من أن نقف عليهم. و لو كانوا لا يسمّون انسيابها و انسياحها مشيا و سعيا، لكان ذلك مما يجوز على التشبيه و البدل، و أن قام الشيء مقام الشيء أو مقام صاحبه؛ فمن عادة العرب أن تشبّه به في حالات كثيرة. و قال اللّه تعالى: هََذََا نُزُلُهُمْ يَوْمَ اَلدِّينِ[1]و العذاب لا يكون نزلا، و لكنّه أجراه مجرى كلامهم، كقول حاتم حين أمروه بفصد بعير، و طعنه في سنامه، و قال:
فقلت يا عمرو اطعمنّي تمرا # فكان تمري كهرة و زبرا[4]
و ذمّ بعضهم الفأر، و ذكر سوء أثرها في بيته، فقال[5]: [من الرجز]
يا عجّل الرّحمن بالعقاب # لعامرات البيت بالخراب
يقول: هذا هو عمارتها. كما يقول الرّجل، «ما نرى من خيرك و رفدك إلاّ ما يبلغنا من حطبك علينا، و فتّك في أعضادنا!» [6].
و قال النّابغة في شبيه بهذا، و ليس به[7]: [من الطويل]
و لا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم # بهنّ فلول من قراع الكتائب
-و وجه آخر: أنّ الأعراب تزعم-و كذلك قال ناس من الحوّائين و الرّقائين-إنّ للحيّة حزوزا في بطنه، فإذا مشى قامت حزوزه، و إذا ترك المشي تراجعت إلى مكانها، و عادت تلك المواضع ملسا. و لم توجد بعين و لا لمس، و لا يبلغها إلاّ كلّ حوّاء دقيق الحسّ.
و ليس ذلك بأعجب من شقشقة الجمل العربيّ؛ فإنّه يظهرها كالدّلو، فإذا هو أعادها إلى لهاته تراجع ذلك الجلد إلى موضعه، فلا يقدر أحد عليه بلمس و لا عين.