responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ    جلد : 4  صفحه : 305

و مثل ذلك أنّ النبي صلى اللّه عليه و سلم لمّا بشره اللّه بالظّفر و تمام الأمر[1]بشرّ أصحابه بالنّصر، و نزول الملائكة. و لو كانوا لذلك ذاكرين في كلّ حال، لم يكن عليهم من المحاربة مئونة. و إذا لم يتكلفوا المئونة لم يؤجروا. و لكنّ اللّه تعالى بنظره إليهم رفع ذلك في كثير من الحالات عن أوهامهم؛ ليحتملوا مشقّة القتال، و هم لا يعلمون:

أ يغلبون أم يغلبون؛ أ و يقتلون أم يقتلون.

و مثل ذلك ما رفع من أوهام العرب، و صرف نفوسهم عن المعارضة للقرآن، بعد أن تحدّاهم الرّسول بنظمه. و لذلك لم نجد أحدا طمع فيه. و لو طمع فيه لتكلفه، و لو تكلف بعضهم ذلك فجاء بأمر فيه أدنى شبهة لعظمت القصّة على الأعراب و أشباه الأعراب، و النّساء و أشباه النساء، و لألقى ذلك للمسلمين عملا، و لطلبوا المحاكمة و التراضي ببعض العرب، و لكثر القيل و القال.

فقد رأيت أصحاب مسيلمة، و أصحاب ابن النواحة إنما تعلّقوا بما ألّف لهم مسيلمة من ذلك الكلام، الذي يعلم كلّ من سمعه أنّه إنّما عدا على القرآن فسلبه، و أخذ بعضه، و تعاطى أن يقارنه. فكان للّه ذلك التّدبير، الذي لا يبلغه العباد و لو اجتمعوا له.

فإن كان الدّهريّ يريد من أصحاب العبادات و الرّسل، ما يريد من الدّهريّ الصّرف، الذي لا يقرّ إلا بما أوجده العيان، و ما يجري مجرى العيان-فقد ظلم.

و قد علم الدّهريّ أنّنا نعتقد أنّ لنا ربّا يخترع الأجسام اختراعا و أنّه حيّ لا بحياة، و عالم لا بعلم، و أنّه شي‌ء لا ينقسم، و ليس بذي طول و لا عرض و لا عمق، و أنّ الأنبياء تحيي الموتى. و هذا كلّه عند الدهريّ مستنكر، و إنما كان يكون له علينا سبيل لو لم يكن الذي ذكرنا جائزا في القياس، و احتجنا إلى تثبيت الرّبوبيّة و تصديق الرّسالة، فإذا كان ذلك جائزا، و كان كونه غير مستنكر، و لا محال، و لا ظلم، و لا عيب، فلم يبق له إلاّ أن يسألنا عن الأصل الذي دعا إلى التّوحيد، و إلى تثبيت الرسل.

و في كتابنا المنزّل الذي يدلّنا على أنّه صدق، نظمه البديع الذي لا يقدر على مثله العباد، مع ما سوى ذلك من الدّلائل التي جاء بها من جاء به.

و فيه مسطور أنّ سليمان بن داود غبر حينا-و هو ميّت-معتمدا على عصاه، في الموضع الذي لا يحجب عنه إنسيّ و لا جنّيّ، و الشّياطين مهم المكدود بالعمل الشديد، و منهم المحبوس و المستعبد، و كانوا كما قال اللّه تعالى:


[1]إشارة إلى وقعة أحد، و هي التي ورد ذكرها في سورة آل عمران؛ الآيات 122-126.

نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ    جلد : 4  صفحه : 305
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست