نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 4 صفحه : 291
ثم رجع بنا القول إلى موضعنا من ذكر الخنزير
ثمّ قال: قُلْ لاََ أَجِدُ فِي مََا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلىََ طََاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاََّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اَللََّهِ بِهِ فَمَنِ اُضْطُرَّ غَيْرَ بََاغٍ وَ لاََ عََادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[1]أ لا تراه قد ذكر أصناف ما حرّم و لم يذكرها بأكثر من التّحريم، فلمّا ذكر الخنزير قال: فَإِنَّهُ رِجْسٌ ؟!فجعل الخنزير و إن كان غير ميتة أو ذكر الذّابح عليه اسم اللّه، أنّه رجس. و لا نعلم لهذا الوجه إلاّ الذي خصّه اللّه به من ذكر المسخ، فأراد تعظيم شأن العقاب و نزول الغضب، و كان ذلك القول ليس ممّا يضرّ الخنزير، و فيه الزّجر عن محارمه، و التّخويف من مواضع عذابه. و إن قيل: ينبغي أن يكون مسخ صورة القرد، فهلاّ ذكره في التحريم مع أصناف ما حرّم، ثمّ خصّه أيضا أنّه من بينها رجس، و هو يريد مذهبه و صفته؟قلنا. إنّ العرب لم تكن تأكل القرود، و لا تلتمس صيدها للأكل. و كلّ من تنصّر من ملوك الرّوم و الحبشة و الصّين، و كلّ من تمجّس من ملك أو سوقة، فإنّهم كانوا يرون للحم الخنزير فضيلة، و أنّ لحومها ممّا تقوم إليه النفوس، و تنازع إليه الشّهوات.
و كان في طباع الناس من التكرّه للحوم القردة، و التقذّر منها ما يغني عن ذكرها. فذكر الخنزير إذ كان بينهما هذا الفرق، و لو ذكر ذلك و ألحق القرد بالخنزير لموضع التحريم، لكان ذلك إنما كان على وجه التوكيد لما جعله اللّه تعالى في طبائعهم من التكرّه و التقذّر، و لا غير ذلك.
و قد أنبأك كما ترى عن التّحريم أنّه يكون من وجوه: فمنها ما يكون كالكذب و الظلم و الغشم و الغدر؛ و هذه أمور لا تحلّ على وجه من الوجوه. و منها ما يحرم في العقل من ذبح الإنسان الطّفل. و جعل في العقول التبيّن بأنّ خالق الحيوان أو المالك له، و القادر على تعويضه، يقبح ذلك في السماع على ألسنة رسله.