نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 4 صفحه : 263
أنصاف حبّ الكزبرة ينبت من بين جميع الحبوب. فهي على هذا الوجه مجاوزة لفطنة جميع الحيوان، حتّى ربّما كانت في ذلك أحزم من كثير من الناس.
و لها، مع لطافة شخصها و خفّة وزنها، و في الشمّ و الاسترواح ما ليس لشيء.
و ربّما أكل الإنسان الجراد أو بعض ما يشبه الجراد، فتسقط من يده الواحدة أو صدر الواحدة، و ليس يرى بقربه ذرّة و لا له بالذّرّ عهد في ذلك المنزل، فلا يلبث أن تقبل ذرّة قاصدة إلى تلك الجرادة، فترومها و تحاول قلبها و نقلها، و سحبها و جرّها، فإذا أعجزتها بعد أن بلغت عذرا، مضت إلى جحرها راجعة، فلا يلبث ذلك الإنسان أن يراها قد أقبلت، و خلفها صويحباتها كالخيط الأسود الممدود، حتى يتعاونّ عليها فيحملنها.
فأوّل ذلك صدق الشّمّ لما لا يشمّه الإنسان الجائع. ثمّ بعد الهمّة، و الجراءة على محاولة نقل شيء في وزن جسمها مائة مرّة، و أكثر من مائة مرّة.
و ليس شيء من الحيوان يقوى على حمل ما يكون ضعف وزنه مرارا غيرها.
و على أنها لا ترضى بأضعاف الأضعاف، إلاّ بعد انقطاع الأنفاس.
946-[كلام النمل]
فإن قلت: و ما علّم الرّجل أنّ الّتي حاولت نقل الجرادة فعجزت، هي التي أخبرت صويحباتها من الذّرّ، و أنها كانت على مقدّمتهن؟قلنا: لطول التّجربة، و لأنّا لم نر ذرّة قط حاولت نقل جرادة فعجزت عنها، ثمّ رأيناها راجعة، إلاّ رأينا معها مثل ذلك، و إن كنّا لا نفصل في العين بينها و بين أخواتها، فإنّه ليس يقع في القلب غير الذي قلنا. و على أنّنا لم نر ذرّة قطّ حملت شيئا أو مضت إلى جحرها فارغة، فتلقاها ذرّة، إلاّ واقفتها ساعة و خبّرتها بشيء. فدلّ ذلك على أنّها في رجوعها عن الجرادة، إنّما كانت لأشباهها كالرّائد لا يكذب أهله[1].
و من العجب أنّك تنكر أنّها توحي إلى أختها بشيء، و القرآن قد نطق بما هو أكثر من ذلك أضعافا. و قال رؤبة بن العجّاج[2]: [من الرجز]
لو كنت علّمت كلام الحكل # علم سليمان كلام النّمل[3]
[1]في مجمع الأمثال 2/233، و جمهرة الأمثال 1/474: «الرائد لا يكذب أهله» .
[2]ديوان رؤبة 131، و اللسان و التاج (حكل، فطحل) ، و الجمهرة 562، و التهذيب 4/101، و المجمل 2/94، و بلا نسبة في المخصص 2/122، و المقاييس 2/91، و ديوان الأدب 1/158.
[3]الحكل: ما لا يسمع له صوت كالذر و النمل. «اللسان: حكل» .
نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 4 صفحه : 263