نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 3 صفحه : 74
631-[خصال المدينة]
[1] و المدينة هي طيبة، و لطيبها قيل تلفظ خبثها و ينصع طيبها. و في ريح ترابها و بنّة تربتها، و عرف ترابها و نسيم هوائها، و النعمة التي توجد في سككها و في حيطانها-دليل على أنّها جعلت آية حين جعلت حرما.
و كلّ من خرج من منزل مطيّب إلى استنشاق ريح الهواء و التّربة في كل بلدة فإنّه لا بدّ عند الاستنشاق و التثبّت من أن يجدها منتنة. فذلك على طبقات من شأن البلدان، إلاّ ما كان في مدينة الرّسول، رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فللصّيّاح[2]و العطر و البخور و النضوح، من الرائحة الطيبة-إذا كان فيها-أضعاف ما يوجد له في غيرها من البلدان، و إن كان الصّيّاح أجود، و العطر أفخر، و البخور أثمن.
632-[بعض البلدان الرديئة]
و ربّت بلدة يستحيل فيها العطر و تذهب رائحته، كقصبة الأهواز.
و قد كان الرشيد همّ بالإقامة بأنطاكية[3]، و كره أهلها ذلك، فقال شيخ منهم، و صدقه: يا أمير المؤمنين، ليست من بلادك، و لا بلاد مثلك، لأنّ الطّيب الفاخر يتغيّر فيها حتّى لا ينتفع منه بكثير شيء، و السّلاح يصدأ فيها و لو كان من قلعة الهند[4]، و من طبع اليمن، و مطرها ربّما أقام شهرين، ليس فيه سكون. فلم يقم بها.
ثمّ ذكر المدينة فقال[5]: و إنّ الجويرية السّوداء، لتجعل في رأسها شيئا من بلح، و شيئا من نصوح، مما لا قيمة له؛ لهوانه على أهله، فتجد لذلك خمرة طيّبة و طيب رائحة لا يعدلها بيت عروس من ذوي الأقدار. حتّى إنّ النّوى المنقع، الذي يكون عند أهل العراق في غاية النّتن، إذا طال إنقاعه، يكون عندهم في غاية الطّيب.
و اللّه سبحانه و تعالى أعلم.
[1]ثمار القلوب (790-791) ، و رسائل الجاحظ 4/130، و لطائف المعارف 155.
[4]قلعة الهند: قلعة عظيمة ببلدة «كله» و هي أول بلاد الهند من جهة الصين، فيها الرصاص القلعي لا يكون إلا في قلعتها، و في هذه القلعة تضرب السيوف القلعية؛ و هي الهندية العتيقة. معجم البلدان 4/389 (الصين) ، و انظر أيضا 3/445 «الصين» حيث ذكر الخبر نفسه.