و لو أنّ اللّه عزّ و جلّ أذن للغراب أن يسقط على النخلة و عليها الثّمرة لذهبت، و في ذلك الوقت لو أنّ إنسانا نقر العذق نقرة واحدة لانتثر عامّة ما فيه، و لهلكت غلاّت الناس. و لكنّك ترى منها على كلّ نخلة مصرومة الغربان الكثيرة، و لا ترى على التي تليها غرابا واحدا، حتى إذا صرموا ما عليها تسابقن إلى ما سقط من التمر في جوف الليف و أصول الكرب[2]لتستخرجه كما يستخرج المنتاخ[3]الشّوك.
870-[حوار في نفور الغربان من النخل]
فإن قال قائل: إنما أشباح تلك الأعذاق المدلاّة كالخرق السّود التي تفزع الطير أن يقع على البزور، و كالقودام السّود تغرز في أسنمة ذوات الدبر من الإبل، لكيلا تسقط عليها الغربان. فكأنها إذا رأت سواد الأعذاق فزعت كما يفزع الطير من الخرق السّود.
قال الآخر: قد نجد جميع الطير الذمي يفزع بالخرق السّود فلا يسقط على البزور، يقع كله على النخل و عليه الحمل، و هل لعامّة الطيّر و كور إلا في أقلاب النّخل ذوات الحمل.
قال الآخر: يشبه أن تكون الغربان قطعت إلينا من مواضع ليس فيها نخل و لا أعذاق، و هذا الطير الذي يفزع بالخرق السّود إنّما خلقت و نشأت في المواضع التي لم تزل ترى فيها النّخيل و الأعذاق. و لا نعرف لذلك علة سوى هذا.
قال الآخر: و كيف يكون الشأن كذلك و من الغربان غربان أوابد بالعراق فلا تبرح تعشّش في رءوس النّخل، و تبيض و تفرخ، إلاّ أنّها لا تقرب النّخلة التي يكون عليها الحمل.