نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 3 صفحه : 180
يعرض هذا القول على العقول السليمة، و الأفهام التّامّة و تردّه إلى الرسل و الكتب؟! فإذا وجدنا هذه الأمور كلها نافية له، كان ذلك عندنا هو المقنع. و ليس الشأن فيما يظهر اللّسان من الشكّ فيه و التّجويز له، و لكن ليردّه إلى العقل؛ فإنّه سيجده منكرا و نافيا له، إذا كان العقل سليما من آفة المرض. و من آفة التخبيل.
814-[ضروب التخبيل]
و التخبيل ضروب: تخبيل من المرار، و تخبيل من الشّيطان، و تخبيل آخر كالرجل يعمد إلى قلب رطب لم يتوقّح[1]، و ذهن لم يستمرّ[2]، فيحمله على الدقيق و هو بعد لا يفي بالجليل، و يتخطّى المقدّمات متسكعا[3]بلا أمارة، فرجع حسيرا[4] بلا يقين، و غبر زمانا لا يعرف إلاّ الشكوك و الخواطر الفاسدة، التي متى لاقت القلب على هذه الهيئة، كانت ثمرتها الحيرة، و القلب الذي يفسد في يوم لا يداوى في سنة، و البناء الذي ينقض في ساعة لا يبنى مثله في شهر.
815-[قولهم: هذا نبيذ يمنع جانبه]
ثم رجع بنا القول إلى ذكر الذّبّان
قيل لعلّويه كلب المطبخ: أيّ شيء معنى قولهم: «هذا نبيذ يمنع جانبه» ؟ قال: يريدون أن الذّبّان لا يدنو منه. و كان الرّقاشي حاضرا فأنشد قول ابن عبدل: [من الخفيف]
عشّش العنكبوت في قعر دنيّ # إنّ ذا من رزيّتي لعظيم
ليتني قد غمرت دني حتّى # أبصر العنكبوت فيه يعوم
غرقا لا يغيثه الدّهر إلاّ # زبد فوق رأسه مركوم[5]
مخرجا كفّه ينادي ذبابا # أن أغثني فإنّني مغموم
قال: دعني فلن أطيق دنوّا # من شراب يشمّه المزكوم
قال: و الذّبّان يضرب به المثل في القذر و في استطابة النّتن، فإذا عجز الذّباب عن شمّ شيء فهو الذي لا يكون أنتن منه.