نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 3 صفحه : 174
و الأصل في ذلك أنّ الزّنادقة أصحاب ألفاظ في كتبهم، و أصحاب تهويل؛ لأنّهم حين عدموا المعاني و لم يكن عندهم فيها طائل، مالوا إلى تكلّف ما هو أخضر و أيسر و أوجز كثيرا.
810-[حظوة بعض الألفاظ لدى بعض النّاس]
و لكلّ قوم ألفاظ حظيت عندهم. و كذلك كلّ بليغ في الأرض و صاحب كلام منثور، و كلّ شاعر في الأرض و صاحب كلام موزون؛ فلا بد من أن يكون قد قد لهج و ألف ألفاظا بأعيانها؛ ليديرها في كلامه، و إن كان واسع العلم غزير المعاني، كثير اللّفظ.
فصار حظّ الزّنادقة من الألفاظ التي سبقت إلى قلوبهم، و اتّصلت بطبائعهم، و جرت على ألسنتهم التناكح، و النتائج، و المزاج و النّور و الظلمة، و الدفّاع و المنّاع، و الساتر و الغامر، و المنحلّ، و البطلان، و الوجدان، و الأثير و الصّدّيق و عمود السبح، و أشكالا من هذا الكلام. فصار و إن كان غريبا مرفوضا مهجورا عند أهل ملّتنا و دعوتنا، و كذلك هو عند عوامّنا و جمهورنا، و لا يستعمله إلاّ الخواصّ و إلاّ المتكلّمون.
811-[لكل مقام مقال و لكل صناعة شكل]
و أنا أقول في هذا قولا، و أرجو أن يكون مرضيا. و لم أقل «أرجو» لأني أعلم فيه خللا، و لكنّي أخذت بآداب وجوه أهل دعوتي و ملّتي، و لغتي، و جزيرتي، و جيرتي؛ و هم العرب. و ذلك أنّه قيل لصحار العبديّ: الرجل يقول لصاحبه، عند تذكيره أياديه و إحسانه: أما نحن فإنّا نرجو أن نكون قد بلغنا من أداء ما يجب علينا مبلغا مرضيا. و هو يعلم أنّه قد وفّاه حقّه الواجب، و تفضّل عليه بما لا يجب. قال صحار: كانوا يستحبّون أن يدعوا للقول متنفّسا، و أن يتركوا فيه فضلا، و أن يتجافوا عن حقّ إن أرادوه لم يمنعوا منه.
فلذلك قلت «أرجو» . فافهم فهّمك اللّه تعالى.
فإنّ رأيي في هذا الضّرب من هذا اللفظ، أن أكون ما دمت في المعاني التي هي عبارتها، و العادة فيها، أن ألفظ بالشّيء العتيد[1]الموجود، و أدع التكلّف لما عسى ألاّ يسلس و لا يسهل إلاّ بعد الرّياضة الطويلة.