responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ    جلد : 3  صفحه : 164

قصارها، و في صيفها و في شتائها. و كان مع ذلك لا يحرّك يده، و لا يشير برأسه.

و ليس إلاّ أن يتكلم ثمّ يوجز، و يبلغ بالكلام اليسير المعاني الكثيرة. فبينا هو كذلك ذات يوم و أصحابه حواليه، و في السّماطين بين يديه، إذ سقط على أنفه ذباب فأطال المكث، ثمّ تحوّل إلى مؤق عينه، فرام الصّبر في سقوطه على المؤق، و على عضّه و نفاذ خرطومه كما رام من الصبر على سقوطه على أنفه من غير أن يحرّك أرنبته، أو يغضّن وجهه، أو يذبّ بإصبعه. فلمّا طال ذلك عليه من الذباب و شغله و أوجعه و أحرقه، و قصد إلى مكان لا يحتمل التّغافل، أطبق جفنه الأعلى على جفنه الأسفل فلم ينهض، فدعاه ذلك إلى أن والى بين الإطباق و الفتح، فتنحّى ريثما سكن جفنه، ثمّ عاد إلى مؤقه بأشدّ من مرّته الأولى فغمس خرطومه في مكان كان قد أوهاه قبل ذلك، فكان احتماله له أضعف، و عجزه عن الصّبر في الثانية أقوى، فحرّك أجفانه و زاد في شدّة الحركة و في فتح العين، و في تتابع الفتح و الإطباق، فتنحّى عنه بقدر ما سكنت حركته ثمّ عاد إلى موضعه، فما زال يلحّ عليه حتى استفرغ صبره و بلغ مجهوده. فلم يجد بدّا من أن يذبّ عن عينيه بيده، ففعل، و عيون القوم إليه ترمقه، و كأنّهم لا يرونه، فتنحّى عنه بقدر ما ردّ يده و سكنت حركته ثمّ عاد إلى موضعه، ثمّ ألجأه إلى أن ذبّ عن وجهه بطرف كمه، ثم ألجأه إلى أن تابع بين ذلك، و علم أنّ فعله كلّه بعين من حضره من أمنائه و جلسائه. فلمّا نظروا إليه قال: أشهد أنّ الذّباب ألحّ من الخنفساء، و أزهى من الغراب!و أستغفر اللّه!فما أكثر من أعجبته نفسه فأراد اللّه عزّ و جلّ أن يعرّفه من ضعفه ما كان عنه مستورا!و قد علمت أني عند الناس من أزمت الناس، فقد غلبني و فضحني أضعف خلقه!ثمّ تلا قوله تعالى: وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ اَلذُّبََابُ شَيْئاً لاََ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ اَلطََّالِبُ وَ اَلْمَطْلُوبُ [1].

و كان بيّن اللّسان، قليل فضول الكلام، و كان مهيبا في أصحابه، و كان أحد من لم يطعن عليه في نفسه، و لا في تعريض أصحابه للمنالة.

795-[قصّة في إلحاح الذباب‌]

فأمّا الذي أصابني أنا من الذّبّان، فإنّي خرجت أمشي في المبارك‌[2]أريد دير الربيع، و لم أقدر على دابّة، فمررت في عشب أشب‌[3]و نبات ملتفّ كثير الذّبّان، [1]73/الحج: 22.

[2]المبارك: اسم نهر بالبصرة؛ احتفره خالد القسري، و المبارك: نهر و قرية فوق واسط. معجم البلدان 5/50.

[3]عشب أشب: ملتف «القاموس: أشب» .

نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ    جلد : 3  صفحه : 164
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست