نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 3 صفحه : 126
فيقصّه المبتاع حينا، فما هو إلاّ أن يجد في جناحه قوّة على النّهوض حتّى أراه أتاني جادفا أو غير جادف[1]. و ربّما فعلت ذلك به مرارا كثيرة، كلّ ذلك لا يزداد إلاّ وفاء.
قال أبو إسحاق: أمّا أنت فأراك دائبا تحمده و تذمّ نفسك. و لئن كان رجوعه إليك من الكرم إنّ إخراجك له من اللّؤم!و ما يعجبني من الرّجال من يقطع نفسه لصلة طائر، و ينسى ما عليه في جنب ما للبهيمة. ثم قال: خبّرني عنك حين تقول:
رجع إليّ مرّة بعد مرّة، و كلما زهدت فيه كان فيّ أرغب، و كلّما باعدته كان لي أطلب؛ إليك جاء، و إليك حنّ أم إلى عشّه الذي درج منه، و إلى وكره الذي ربّي فيه؟! أ رأيت أن لو رجع إلى وكره و بيته ثمّ لم يجدك، و ألفاك غائبا أو ميّتا، أ كان يرجع إلى موضعه الذي خلّفه؟!و على أنّك تتعجّب من هدايته، و ما لك فيه مقال غيره. فأمّا شكرك على إرادته لك، فقد تبيّن خطاؤك فيه، و إنما بقي الآن حسن الاهتداء، و الحنين إلى الوطن.
720-[هداية الرخم]
و قد أجمعوا على أنّ الرّخم من لئام الطير و بغاثها، و ليست من عتاقها و أحرارها، و هي من قواطع الطّير، و من موضع مقطعها إلينا ثمّ مرجعها إليه من عندنا، أكثر و أطول من مقدار أبعد غايات حمامكم. فإن كانت وقت خروجها من أوطانها إلينا خرجت تقطع الصّحارى و البراريّ و الجزائر و الغياض و البحار و الجبال، حتّى تصير إلينا في كلّ عام-فإن قلت إنّها ليست تخرج إلينا على سمت و لا على هداية و لا دلالة، و لا على أمارة و علامة، و إنما هربت من الثّلوج و البرد الشّديد، و علمت أنّها تحتاج إلى الطّعم، و أنّ الثّلج قد ألبس ذلك العالم، فخرجت هاربة فلا تزال في هربها إلى أن تصادف أرضا خصبا دفئا، فتقيم عند أدنى ما تجد-فما تقول فيها عند رجوعها و معرفتها بانحسار الثلوج عن بلادها؟!أ ليست قد اهتدت طريق الرّجوع!؟ و معلوم عند أهل تلك الأطراف، و عند أصحاب التّجارب و عند القانص، أنّ طير كلّ جهة إذا قطعت رجعت إلى بلادها و جبالها و أوكارها، و إلى غياضها و أعشّتها. فتجد هذه الصّفة في جميع القواطع من الطّير، كرامها كلئامها، و بهائمها كسباعها. ثمّ لا يكون اهتداؤها على تمرين و توطين، و لا عن تدريب و تجريب، و لم تلقّن بالتّعليم، و لم تثبّت بالتّدبير و التقويم. فالقواطع لأنفسها تصير إلينا، و لأنفسها تعود إلى أوكارها.