نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 3 صفحه : 111
من منزل صاحبه فيقصّ، و يغبر هناك حولا و أكثر من الحول، فحين ينبت جناحه يحنّ إلى إلفه و ينزع إلى وطنه، و إن كان الموضع الثّاني أنفع له، و أنعم لباله. فيهب فضل ما بينهما لموضع تربيته و سكنه، كالإنسان الذي لو أصاب في غير بلاده الرّيف لم يقع ذلك في قلبه، و هو يعالجهم على أن يعطى عشر ما هو فيه في وطنه.
ثمّ ربّما باعه صاحبه، فإذا وجد مخلصا رجع إليه، حتّى ربما فعل ذلك مرارا.
و ربّما طار دهره و جال في البلاد، و ألف الطّيران و التقلّب في الهواء، و النّظر إلى الدنيا، فيبدو لصاحبه فيقصّ جناحه و يلقيه في ديماس[1]، فينبت جناحه، فلا يذهب عنه و لا يتغيّر له. نعم، حتّى ربّما جدف[2]و هو مقصوص، فإمّا صار إليه، و إمّا بلغ عذرا.
696-[قص جناح الحمام]
و متى قصّ أحد جناحيه كان أعجز له عن الطّيران، و متى قصّهما جميعا كان أقوى له عليه، و لكنه لا يبعد، لأنّه إذا كان مقصوصا من شقّ واحد اختلف خلقه، و لم يعتدل وزنه، و صار أحدهما هوائيا و الآخر أرضيا فإذا قصّ الجناحان جميعا طار، و إن كان مقصوصا فقد بلغ بذلك التعديل من جناحيه أكثر مما كان يبلغ بهما إذا كان أحدهما وافيا و الآخر مبتورا.
فالكلب الذي تدّعون له الإلف و ثبات العهد، لا يبلغ هذا، و صاحب الدّيك الذي لا يفخر للدّيك بشيء من الوفاء و الحفاظ و الإلف، أحقّ بألاّ يعرض في هذا الباب.
قال: و قد يكون الإنسان شديد الحضر. فإذا قطعت إحدى يديه فأراد العدو كان خطوه أقصر، و كان عن ذلك القصد و السّنن أذهب، و كانت غاية مجهوده أقرب.
697-[حديث نباتة الأقطع]
و خبّرني كم شئت[3]، أنّ نباتة الأقطع و كان من أشدّاء الفتيان و كانت يده قطعت من دوين المنكب، و كان ذلك في شقّه الأيسر؛ فكان إذا صار إلى القتال و ضرب بسيفه، فإن أصاب الضّريبة ثبت، و إن أخطأ سقط لوجهه؛ إذ لم يكن جناحه الأيسر يمسكه و يثقّله حتى يعتدل بدنه.