نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 60
53-[مواصلة خدمة العلم]
و ينبغي أن يكون سبيلنا لمن بعدنا، كسبيل من كان قبلنا فينا. على أنّا و قد وجدنا من العبرة أكثر ممّا وجدوا، كما أنّ من بعدنا يجد من العبرة أكثر ممّا وجدنا.
فما ينتظر العالم بإظهار ما عنده، و ما يمنع الناصر للحقّ من القيام بما يلزمه، و قد أمكن القول و صلح الدهر و خوى نجم التّقيّة [1] ، و هبّت ريح العلماء، و كسد العيّ و الجهل، و قامت سوق البيان و العلم؟! و ليس يجد الإنسان في كل حين إنسانا يدرّبه، و مقوّما يثقّفه. و الصبر على إفهام الريّض شديد، و صرف النفس عن مغالبة العالم أشدّ منه، و المتعلّم يجد في كلّ مكان الكتاب عتيدا، و بما يحتاج إليه قائما و ما أكثر من فرّط في التعليم أيّام خمول ذكره، و أيّام حداثة سنّه!!و لو لا جياد الكتب و حسنها، و مبيّنها و مختصرها، لما تحرّكت همم هؤلاء لطلب العلم، و نزعت إلى حبّ الأدب، و أنفت من حال الجهل، و أن تكون في غمار الحشو، و لدخل على هؤلاء من الخلل و المضرّة، و من الجهل و سوء الحال، و ما عسى ألا يمكن الإخبار عن مقداره، إلاّ بالكلام الكثير، و لذلك قال عمر رضي اللّه تعالى عنه: «تفقّهوا قبل أن تسودوا» [2] .
54-[فائدة كتب أبي حنيفة]
و قد تجد الرجل يطلب الآثار و تأويل القرآن، و يجالس الفقهاء خمسين عاما، و هو لا يعدّ فقيها، و لا يجعل قاضيا، فما هو إلاّ أن ينظر في كتب أبي حنيفة، و أشباه أبي حنيفة، و يحفظ كتب الشروط في مقدار سنة أو سنتين، حتى تمرّ ببابه فتظن أنه من باب بعض العمّال، و بالحرا [3] ألاّ يمرّ عليه من الأيّام إلاّ اليسير، حتّى يصير حاكما على مصر من الأمصار، أو بلد من البلدان.
55-[ضرورة تنقيح المؤلفات]
و ينبغي لمن كتب كتابا ألا يكتبه إلاّ على أنّ النّاس كلّهم له أعداء، و كلّهم عالم بالأمور، و كلّهم متفرّغ له، ثم لا يرضى بذلك حتى يدع كتابه غفلا، و لا يرضى بالرأي الفطير، فإنّ لابتداء الكتاب فتنة و عجبا، فإذا سكنت الطبيعة و هدأت الحركة،