حدّ السّيوف، و أشدّ من طعن الرّماح .. و اقسم أنّي قد نسيت ذلك المشهد الرّهيب، و وقوف النّساء و الأطفال أسارى بين يدي يزيد ... نسيت كلّ هذه المحن، و أنا أستمع إلى الحوارء، و هي تصفع الطّاغية بكلماتها الملتهبة، و تلعنه و تخزيه، و تشفي منه صدور قوم مؤمنين؛ أجل، نسيت كلّ شيء إلّا قولها:
«يا بن الطّلقاء؟! ... و من لفظ فوه أكباد الأزكياء .. و نبت لحمه من دماء الشّهداء ...».
و قولها: «فو اللّه ما فريت إلّا جلدك، و ما حززت إلّا لحمك ....».
و قولها: «إنّي لأستصغر قدرك، و أستعظم تقريعك، و أستكثر توبيخك، .....».
و قولها: «هل رأيك إلّا فند، و أيّامك إلّا عدد، و جمعك إلّا بدد ... يوم ينادي المنادي ألا لعنة اللّه على الظّالمين». أي عليه و على آبائه، و على من مهّد له و لهم سبيل الحكم و التّحكم ...» [1].
و بعد، فليست هذه الكلمات نفثة مصدور، و لا هذه الرّوح الّتي خاطبت يزيد في هذا الجور تشبه أرواحنا نحن أبناء الأرض في شيء. أنّها روح إلهية لا ترى غير جبّار السّماء ... و لو كانت زينب من هذه النّسوة لما استطاعت غير البكاء و الرّجاء ... و لكنّها من بيت، أساسه محمّد، و بناؤه عليّ، و فاطمة، و الحسن و الحسين، و بانيه اللّه الواحد الأحد.
أنّ كلّ موقف من مواقف أهل البيت، و كلّ كلمة من كلماته، شاهد صدق و عدل على أنّهم إن نطقوا نطقوا بلسان الوحي، و إن فعلوا فعلوا بتسديد اللّه و عنايته.