نام کتاب : الجمل و النصرة لسيد العترة في حرب البصرة نویسنده : الشيخ المفيد جلد : 1 صفحه : 17
و لا يخفى عليك أنّه قد اشتبه الفقيه الشيعي محمّد بن إدريس
الحلّي عليه الرحمة في تقييمه لعلم الشيخ المفيد بالتاريخ، حيث قال:
«و قد ذهب شيخنا المفيد
في كتاب الإرشاد إلى أن المقتول بالطف هو علي الأصغر و هو ابن الثقفية و أن عليا
الأكبر هو زين العابدين عليه السلام، أمّه أم ولد و هي شاه زنان بنت كسرى يزدجرد.
قال ابن إدريس: و الأولى الرجوع إلى أهل هذه الصناعة و هم النّسابون و أصحاب السير
و الأخبار و التواريخ، مثل الزبير بن بكار ... و أبو حنيفة الدينوري»[1].
و بديهي أن هذا الكلام
ليس بتحقيقي، و قد نشأت هذه الفكرة لدى ابن إدريس لأنّه لم يكن متضلعا في علم
التاريخ و لم يدرك عظمة الشيخ المفيد من هذه الجهة، فلا نستطيع الاعتماد على رأيه،
و بديهي لدى كل من له أدنى اطلاع في علم التاريخ أن الشيخ المفيد لا يقاس بأبي
حنيفة الدينوري حيث إنّ أكثر اطلاعه كان مقتصرا على الحساب و المنطق و النبات.
ج: وضعه الاجتماعي
كانت مدينة بغداد في عصر
المفيد عاصمة الدولة الإسلامية و مملوءة بكثير من العلماء ممن ينتحل المذاهب
الإسلامية المختلفة، و كانت تعد المركز الثقافي للعالم الإسلامي، و كانت مجالس
المناقشة و المناظرة و المباحثة و الجدال في أحقية المذاهب قائمة؛ و كثيرا ما كانت
تنعقد تلك المجالس في حضور الخلفاء و الملوك و سائر أرباب النفوذ، فكان الشيخ
المفيد رحمه اللّه يحضر هذه المجالس و يناظر المخالفين و يجادلهم و يردّ عليهم
شبهاتهم و يجيب عمّا يوردون على الشيعة و على آرائهم المذهبية. و لم تكن مناظراته
تلك و دفاعه عن مذهب الإماميّة مقصورة على تلك المناظرات التي كانت تنعقد ببغداد،
بل كان يردّ عليهم شبهاتهم في أسفاره أيضا كما يستفاد ذلك من بعض كتبه[2]. فكان الشيخ
المفيد يدافع عن التشيع بلسانه و قلمه، فأثّر في بغداد تأثيرا عظيما بحيث إن
أعداءه و مخالفيه كانوا يتمنون موته، و لم يتحرزوا من إظهار فرحهم و سرورهم
بوفاته، فهذا ابن النقيب يعقد مجلس الفرح و السرور عند موته و يقول:
«ما أبالي أيّ وقت متّ
بعد أن شاهدت موت ابن المعلّم»![3]
مكانته عند الأعلام
لقد أثنى عليه أساطين
العلماء، و أشاد بفضله الفضلاء، و أخبر عن علوّ منزلته الأعداء،