يظهر ممّا حكي عن المسالك موافقة أكثرهم على وجه يصدق الاستغراق العرفي، و اختاره في الرسالة [1]، و يظهر من الوحيد البهبهاني [2] كفاية موافقة البعض، و هذا هو الأقوى [3]؛ لأنّه الظاهر من قوله (عليه السلام) «و اترك ما وافق القوم» أو «خذ بما خالف العامّة»، فإنّ الظاهر أنّ المراد موافقتهم في الجملة؛ فلو كان أحد الخبرين موافقا لبعضهم، و كان الباقون ساكتين يصدق أنّه موافق لهم، و لا يضر كون لفظ القوم أو العامّة ظاهرا في الجميع من حيث هو؛ لأنّ المنساق منهما في المقام ما ذكرنا؛ خصوصا بملاحظة قوله في المقبولة «قلت:- جعلت فداك- فإن وافقهما الخبران ..»، و في المرفوعة «قلت: ربّما كانا موافقين لهم، أو مخالفين ..»، فإنّهما ظاهران في أنّ الراوي فهم من الموافقة الأعم من موافقة البعض و الكل.
و دعوى أنّ المراد موافقة الخبرين معا لهما؛ فلا يكون شاهدا على إرادة موافقة البعض بعيدة، إذ الظاهر أنّ المراد أنّ كلّا منهما موافق لهم؛ لا أنّ المجموع من حيث المجموع كذلك، و الإنصاف أنّ ظهور هذه الفقرة في كفاية البعض أقوى من ظهور الفقرة السابقة في اعتبار موافقة الكل، فلا وجه لحملهما على صورة عدم هذا المرجح في شيء منهما، و تساويهما من هذه الجهة على ما ذكره في الرسالة، فعلى فرض عدم ظهور الفقرة الأولى في إرادة الموافقة في الجملة، و ظهورها في موافقة الكل لا بد من رفع اليد عنه، بقرينة الفقرة الثانية.
هذا؛ مضافا إلى ندرة اتفاق العامّة على مطلب، و لو في عصر واحد، بل ندرة اطّلاع الراوي على ذلك؛ فضلا عن غيره ممّن يجيء بعده في الأزمنة المتأخرة، فيلزم ندرة المورد لهذه الأخبار المتكثّرة، هذا مع أنّه يمكن أن يتمسك لما ذكر بما في رواية ابن أسباط [4] من قول الرضا (عليه السلام): «ائت فقيه البلد و استفته في أمرك فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإنّ الحقّ فيه»، مع أنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) «فإنّ الرشد في