قلت: لما كانت المزيّة الموجودة في الخبر إنّما توجب التقديم من حيث اتصاف الخبر و اقترانه بها صحّ أن يقال إنّ الاقتران سبب بل في الحقيقة الأمر كذلك؛ إذ وجه تقديم خبر الأعدل مثلا اتصافه بأعدليّة [1] .. و هكذا.
هذا؛ و يظهر من القوانين [2] إمكان [3] كون الاستعمال المذكور في التعريف على الحقيقة بدعوى أنّ التراجيح [4] قد يكون بمعنى الاختيار، و قد يكون بمعنى الرجحان كما في قولهم الترجيح بلا مرجّح محال مثلا، فإنّ الأول بمعنى الاختيار و الثاني بمعنى الرجحان فيكون تعريف الترجيح بالاقتران من باب المعنى الثاني.
و أنت خبير بما فيه؛ إذ لم يستعمل الترجيح بمعنى الرجحان إلّا مجازا؛ للعلاقة المذكورة، و لفظ المرجّح في قولهم بمعنى الموجب للرجحان، و لا وجه لحمله على ما ذكره، و لعلّه يخيل أنّ الفاعل للترجيح لا بدّ أن يكون شخصا عاقلا و لا يكون في العبارة [5] كذلك، فلا يمكن حمله على المعنى الأول مع أنّه أعم كما لا يخفى.
ثمّ إنّ الترجيح ليس بمعنى الاختيار أيضا؛ لظهوره في الإسناد إلى الفاعل المختار و لا يختص الترجيح به بل بمعنى التقديم و جعل الشيء راجحا، أو لنسبته [6] إلى المرجحات كما هو شأن باب التفعيل، حيث إنّه قد يكون بمعنى إيجاد الفعل، و قد يكون بمعنى النسبة إليه كالتضييق، و كيف كان [7] قد يعرف في الاصطلاح- كما عن الزبدة [8]- بتقديم إحدى الأمارتين على الأخرى، و لعله الأنسب [9] بظاهر اللفظ مع إنّه لم يثبت الاصطلاح الجديد كما ادّعاه العضدي، و دعوى أنّ الترجيح ليس بمعنى