و ثانيا: على فرض عدم الشمول؛ لا وجه للفرق، إذ دعوى العلم بالمناط و المصلحة على تقدير الموضوعيّة دون الطريقيّة كما ترى! إذ مع فرض عدم شمول الدليل لا يمكن إحراز المصلحة إلا بالاطّلاع على جهات الواقع، و العقل ليس محيطا بجهات الأحكام؛ بل دعوى العكس أولى، إذ على الطريقيّة مصلحة الجعل معلوم بأنّها الإيصال الغالبي، و غاية ما يكون احتمال كونها مقيدة بعدم المعارض، بخلافه على الموضوعيّة، إذ مقولة المصلحة غير معلومة إصلاحا [1].
و ثالثا: لا وجه لما ذكره من الفرق بين الأحكام الظاهريّة و الواقعيّة حسبما عرفت، فبناء على ما ذكره من عدم شمول الدليل للمتعارضين لا مفرّ من القول بالتساقط.
و أمّا نفي الثالث و عدمه فسيجيء الكلام فيه، و ظني أنّه لمّا رأى العلم بوجود المناط في إنقاذ الغريقين، و لو لم يشملهما الدليل من جهة حكم العقل بوجوب حفظ النفس، تخيّل أنّ الحال في جميع المقامات كذلك، و ليس كذلك قطعا، إذ العلم بوجود المصلحة لا يمكن في التعبديّات التي لا مسرح للعقل فيها إلا بشمول الدليل، و استكشافه من شموله لسائر الأفراد و تساويها في نظرنا ممنوع.
هذا مع أنّ الحكم بالتخيير في المتزاحمين ليس منوطا بمذهب العدليّة كما عرفت، بل العقل حاكم به و إن لم نقل بالمصلحة أصلا، أو قلنا بها في الجعل؛ إلا أن يبدلها بدعوى العلم بإرادة الشارع- واقعا- لكل منهما، و إن لم يشملهما الدليل و هو كما ترى!
ثم إنّه قال [2]: إنّه بناء على الموضوعيّة يصير حال الخبرين حال الواجبين المتزاحمين، و الأصل فيهما غير خفي، و مجمل الكلام فيه أنّه قد يحكم فيه بالتساقط و التعطيل رأسا، و قد يحكم فيه بالترجيح، و قد يحكم فيه بالتخيير، و قد يحكم فيه بالجمع، و قد يتردد الأمر بين الجمع و التخيير.
أمّا الأول؛ فكل موضع امتنع فيه جميع الأمور المشار إليها؛ مثل تزاحم البينتين
[1] هكذا في النسخة؛ و المناسب أنّها: اصطلاحا، أو: أصلا؛ و الحاء زائدة.