الأنصاري- و قد طبع حديثا في ثلاثة مجلدات من تحقيق سماحة العلّامة صاحب الفضيلة الشيخ عباس آل سباع القطيفي حفظه اللّه- فقد ملئ هذا الكتاب تحقيقا و تدقيقا و تتبعا و بسطا، إذ يعد كتابا شارحا و جارحا للمطالب التي ضمّنها الشيخ الأعظم لكتابه المكاسب، مع اشتماله على الكثير من الآراء الأصوليّة.
و لقد تتبعت بنفسي مسألة «مقدمة الواجب» فيه فوجدت ما يزيد على خمسة عشر موردا، و كلها تحكي مبنى واحدا و قولا متناسبا، و ليس من مورد مخالف لآخر من الكتاب، و كذا تتبعت بعض كلامه في مسألة الاستصحاب و أنّه يجري مطلقا أو مختص بالشك في المانع، فوجدته في عدّة موارد قد بنى كلامه على قول واحد فيها إلا و هو القول بحجيته مطلقا، فهو بالإضافة إلى دقّته الأصوليّة و قوّته العلميّة، تجد أنّ آراءه متماسكة و غير متهافتة أو يهدم بعضها بعضا.
كتاب التعارض:
و من أكبر الدلائل على مدّ عانا: هذا الكتاب الماثل بين يديك، فقد تعتقد للوهلة الأولى أنّه مجرد كتاب أصولي يجترّ بعض أفكار المتقدمين عليه في أطراف موضوعه حيث يقتبسها من هنا و هناك، و لكن ما إن تلج في صفحات الكتاب و تقرأ بعض عباراته- في أي مسألة منه شئت ذلك- سرعان ما تتغير عندك الصورة المرتسمة في ذهنك عن الكاتب له، فتراه أصوليّا كبيرا، بل من الطراز الأول في هذا الفن، بل منظّر له؛ فهو يطرح في بحوثه- هذه- البكر من الأفكار، سبّاق في تحقيق بعض المطالب ممّا لا يعلم سبق غيره عليها، بل يظهر من بعض آرائه أنّها ممّا تبناه المتأخرون عنه على أنّها من ابتكاراتهم و متفرداتهم، و لقد دفعتني هذه الفكرة لأن أحاول رد الفكرة السائدة من أنّ السيد فقيه و ليس أصوليا، ممّا دفعني لأن أبيّن في هذه المقدّمة الحق الأحق بالاتباع، و الانتصار للسيد العظيم من هذه المقولة المجحفة بحقه فيما ادعى، حتى قال بعض المراجع المعاصرين: كنت إلى فترة أعتقد بأنّ السيد ليس أصوليّا حتى وصل بين يدي كتابه التعارض فتغيرت فكرتي عنه تماما.