منه التعارض أو عدم إمكانه، و أنّ التعارض يكشف عن كون إحداهما أو كليهما خارجة عن تحت الدليل الدال على الاعتبار، و أنّ الشارع لم يحكم بوجوب العمل بكليهما، فهو محلّ إشكال.
و يمكن أن يوجه المنع بناء على كون الأمارات حجّة من باب الطريقيّة و المرآتيّة، و ذلك لأنّه لا يعقل إراءة الواقع من طريقين مخالفين، مع أنّه واحد، إذ هو مؤدّ إلى التناقض، إذ مآل ذلك يرجع إلى أنّ الواقع في هذه الواقعة الشخصيّة مدلول قول زيد، و هو الإباحة مثلا، و مدلول قول عمرو هو الحرمة، و هذا غير معقول، فكما لا يعقل أن يقول هذا مباح واقعا، كذلك لا يعقل أن يقول اعمل بقول زيد، و احكم بصدق مؤداه، و اعمل بقول عمرو و احكم بصدق مؤدّاه، و المفروض أنّ أحدهما يقول إنّه مباح و الآخر يقول إنّه حرام، و السرّ في ذلك أنّ جعل الطريق ليس إلا لبيان جعل مؤدّاه واقعا، فهو عبارة أخرى عن بيان نفس الحكم، و كونه حكما ظاهريا لا يجدي؛ بعد كون اللسان لسان بيان الواقع، و الأخذ على أنّه الواقع.
و من ذلك يظهر أنّ المانع ليس كذب أحدهما، و عدم مطابقته للواقع حتى يقال لا يعتبر في نصب الطريق إصابة الواقع، و إلا لزم عدم شمول الدليل لما هو كذب واقعا، بل المانع هو لزوم التناقض، فجعل الخبر الكاذب و الحكم بوجوب أخذه على أنّه الواقع لا مانع منه، و أمّا الحكم بأخذ خبرين متنافيين و الحكم يكون [1] مؤدى كل منهما هو الواقع، فهو غير جائز.
و من ذلك ظهر أنّه لا وجه لما أجاب به في الفصول [2] عن لزوم التناقض بأنّه: لا ملازمة بين كون الأمارة واقعيّة و بين ثبوت مقتضاه واقعا، إذ يجوز التخلّف عن الواقع مع كونها حجّة و معتبرة عند الشارع؛ و ذلك لأنّا نريد [3] إثبات التناقض في الواقع، بل إثباته في نفس هذا الجعل على أنّه الواقع، فنقول: إيجاب العمل بكل منهما على أنّه الواقع عبارة أخرى عن الحكم بحرمة الشيء و إباحته مثلا، و إن كان الواقع في علم