ثانياً: إذا كان الدليل ظنياً

قوله (قدس سره) ص 83: (و إذا لم يكن الدليل قطعياً بل أمارة ... الخ).

و أما إذا لم يكن الدليل قطعياً بل كان أمارة معتبرة شرعاً، كما لو جاءنا خبر ثقة مؤداه وجوب الدعاء عند رؤية الهلال، فهنا، تارة يقع الكلام في إسناد نفس الحكم الظاهري- أي الحجّية [1]- بمعنى: أنه هل يجوز لنا أن نقول بأن الشارع قد صدر منه ما مفاده جعل الحجية لخبر الثقة فيجوز إسناد الحجية إلى الشارع أو لا؟ و أخرى في إسناد نفس مؤدى الأمارة، و الذي هو- في المثال المتقدم- عبارة عن وجوب الدعاء عند رؤية الهلال، بحيث يجوز لنا أن نقول: إن الشارع قد شرّع وجوب الدعاء.

إسناد الحكم بحجية الأمارة إلى الشارع:

فبالنسبة لجواز إسناد نفس الحجية، فهذا مما لا ريب فيه و لا إشكال؛ لأن الحجّية مقطوع بها؛ بعد ما دل الدليل القطعي عليها؛ فإنّ الدليل الدال على حجّية الأمارات، لا بد أن يكون دليلًا قطعياً؛ لأن الأمارة لا توجب إلا الظن، و لا يمكن إثبات حجية الظن بظن مثله؛ لأن الظن بنفسه لا يقتضي الحجّية، فلا بد أن تكون الحجّية الثابتة للظن مجعولة و بالعرض، و ما بالعرض يجب أن ينتهي إلى ما بالذات، و ليس هو إلا القطع، فلا بد من وجود الدليل القطعي على حجّية الأمارات، و حيث أنها مما دل الدليل القطعي على حجّيتها، فتكون الحجّية مقطوع بها، فيجوز إسنادها إلى الشارع.

إسناد مؤدّى الأمارة إلى الشارع:

و أما بالنسبة إلى إسناد نفس المؤدى- أي: الوجوب في المثال المتقدم و هو

[1] اعلم أنه قد وقع الخلاف في أن المراد بالحكم الظاهري هل هو نفس الحجية التي هي من الأحكام الوضعية، أم أنه عبارة عن نفس مؤديات الطرق و الأمارات، فيكون وجوب الدعاء عند روية الهلال حكماً ظاهرياً؟ ذهب البعض إلى أنه لا يوجد لنا حكمان تكليفيان أحدهما واقعي و الآخر ظاهري، فلا تكون مؤديات الأمارات أحكاماً ظاهرية، بل ما الأمارة إلا طريق لإحراز الواقع، فهي تنجز تارة و تعذر أخرى، و ذهب البعض الآخر إلى أن مؤديات الأمارات أحكامٌ تكليفية ظاهرية، بناءً على مسلك جعل الحكم المماثل، و إن الشارع في جعله الحجية للأمارة يجعل حكماً ظاهرياً يماثل ما أدت إليه الأمارة من أحكام.