بعد أن تبين من خلال البحث السابق أن الأحكام الواقعية تابعة للمصالح و المفاسد، و أن مبادئ تلك الأحكام تكمن في متعلقاتها، و تبيّن أيضاً أن تلك المبادئ متنافية و متضادة في ما بينها؛ لأنّ مبدأ الوجوب هو المصلحة و الإرادة الملزمة القائمتين في الفعل، و هو ينافي مبدأ الحرمة الذي هو المفسدة و المبغوضية القائمتين في الفعل أيضاً، و هكذا الأمر في ما بين الأحكام الأخرى من الكراهة و الاستحباب، بعد أن تبيّن كل هذا، يتضح أن الأحكام الواقعية متضادة في ما بينها؛ لأجل التضاد و التنافي بين مبادئها، فمرجع التضاد و التنافي في الأحكام الواقعية إلى التضاد و التنافي في مبادئ تلك الأحكام، و من المستحيل أن يثبت حكمان واقعيان متغايران نوعاً كالوجوب و الحرمة أو الحرمة و الكراهة أو الاستحباب و الكراهة أو الوجوب و الاستحباب أو الإباحة بالمعنى الأخص مع كل منها على شيء واحد و متعلق فارد [1]؛ لأنه يلزم من ذلك اجتماع الضدين، و لا فرق هنا في استحالة هذا الاجتماع
بين علم المكلف بتلك الأحكام أو جهله بها، و ذلك لما قلنا من أن مبادئ الحكم الواقعي محفوظة حتى في فرض الجهل بالواقع، و استحالة اجتماع الضدين ثابتة في الواقع و نفس الأمر، و لا دخل لعلم المكلف و جهله في ثبوت هذه الاستحالة.
فتلخَّص مما تقدم: إن الأحكام الواقعية المتغايرة نوعاً- كالوجوب و الحرمة-، متضادة و متنافية بوجوداتها الواقعية، فضلًا عن تنافيها و تضادها بوجوداتها الواصلة، و في مقام الامتثال
[1] هذا بناءً على ما هو الصحيح من أن الأحكام الواقعية محفوظة بمبادئها حتى في فرض الجهل بها و عدم اختصاصها بالعالمين بها، و أما بناءً على القول بالاختصاص، و القول بأن الحكم الواقعي هو ما أدّت إليه الأمارة، فلا مانع من أن يجتمع حكمان واقعيان على شيء واحد، أحدهما للعالم به، و الآخر للجاهل تبعاً لما أدت إليه الأمارة، فإن هذا مقتضى القول بالتصويب المتقدم، فصلاة الجمعة في عصر الغيبة تكون واجبة لمن علم بوجوبها، و محرمة لمن أدت الأمارة عنده إلى تحريمها.
نام کتاب : البيان المفيد في شرح الحلقة الثالثة نویسنده : المنصوري، الشيخ أياد جلد : 1 صفحه : 167