و اللحاظ الذي على أساسه يتم الترجيح به لأحد المحتملين على الآخر عند المولى عند التزاحم الحفظي، يمكن أن يتصور على ثلاثة أنحاء:

الأول: أن تحدد الأهمية بلحاظ الاحتمال؛ بحيث يكون احتمال مطابقة أحد المحتملين للواقع أقوى و أهم عند المولى من الاحتمال الآخر.

الثاني: أن تحدد الأهمية بلحاظ المحتمل؛ بحيث يكون أحد المحتملين أهم عنده من المحتمل الآخر.

الثالث: أن تحدد الأهمية بلحاظ الاحتمال و المحتمل معاً، بمعنى: أن المولى لاحظ كلا الأمرين‌ [1].

و الوجه في ذلك: هو أن المكلف الذي يحصل له الشك في الحكم الواقعي، كما

لو شك في حرمة أكل لحم الأرنب- مثلًا-، فإنه سوف يتردد بين احتمالين في تشخيص الواقع المشكوك، فيحتمل الحرمة كما أنه يحتمل الإباحة أيضاً، فالواقع عنده مردد بين احتمالين و هما الحرمة و الإباحة، و قد يتردد الواقع عنده بين احتمالات‌

[1] المقصود من الاحتمال، هو احتمال مطابقة أو مخالفة أحد المحتملين للواقع، فإن كان أحد الاحتمالين السابقين أهم من الآخر، جعل الحكم الظاهري على وفقه، و بقطع النظر عن نوع المحتمل، و المقصود من المحتمل، هو ما يتردد الواقع بينهما، و بعبارة أخرى: طرفي الشك و الترديد، فمثلًا: لو شكّ المكلّف في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال، و جاءه خبر يدل على عدم وجوبه، فالواقع عنده مردّد بين محتملين، و هما: محتمل الوجوب و محتمل الإباحة؛ فالشارع في مقام ترجيح أحد المحتملين على الآخر، تارةً ينظر إلى نوع المحتمل من وجوب أو إباحة، و أخرى ينظر إلى قوّة احتمال مصادفة أحد المحتملين للواقع- و بقطع النظر عن نوع المحتمل و أهميته-، و ثالثة ينظر إلى كلّ من الاحتمال و المحتمل، فالأول يسمّى الترجيح بلحاظ أهميّة المحتمل، و الثاني هو الترجيح بلحاظ أهميّة الاحتمال، و الثالث هو الترجيح بلحاظ أهمية الاحتمال و المحتمل معاً.

فترجيح محتمل الإباحة في هذا المثال، قد يكون لغلبة مصادفة الخبر للواقع، بمعنى أن الغالب في أخبار الثقات مطابقة مضمونها للواقع، و هذا ترجيح بلحاظ أهميّة و قوّة الاحتمال، و قد يكون لأهمية نفس الإباحة بقطع النظر عن مصادفتها أو عدم مصادفتها للواقع، و هذا ترجيح بلحاظ أهميّة المحتمل، و قد يكون لأهميّة كلّ من الاحتمال و المحتمل، أي: أنّ غلبة مصادفة الإباحة للواقع أقوى من مصادفة الوجوب له، و أنّ نفس الإباحة- و بقطع النظر عن مدى مصادفتها للواقع- أهم عند المولى من الوجوب، و هذا هو الترجيح بلحاظ أهميّة الاحتمال و المحتمل معاً.