قوانينهم المحرّرة، واعيا من أستاذي [1] فمن يليه اصطلاحهم؛ مع ملاحظة دواوينهم المعتبرة، و لم آل جهدا في الاقتحام؛ في تيّار بحار هذا الشأن و الازدحام؛ في المتابعة بحسن الاعتبار، لذوي الإتقان رجاء لاستمرار؛ قائم به في الجملة و اعتناء بإكثار، من أهله عند التحقيق في غاية من القلّة؛ بل القول الأنسب؛ أنّهم إلى العدم أقرب:
و قد كنّا نعدّهم قليلا* * * فقد صاروا أقلّ من القليل
و ما ذاك إلّا لأنه لا يدرك بالهوينى، و لا يسلك ممّن أشرك غيره معه يقينا؛ إذ هو بيقين، كما قال بعض الحفاظ المحققين [2]: لا يعلق إلّا بمن قصر نفسه عليه، و لم يضمّ غيره من العلوم إليه. و نحوه تعليل شيخنا تفضيل شيخه العراقي- (رحمهما اللّه)- له على ولده المرحوم الوليّ، بأكثريّة ممارسته لهذا العلم بالنسبة لغيره من فنون العلم المعتلي [3]. و قول إمامنا الشافعيّ مخاطبا لبعض أصحابه السّادات: أتريد الجمع بين الفقه و الحديث؟ هيهات!
و رأيت [4] جماعة من المحدثين، و الحفاظ المعتمدين، ممّن رحل فاتصل، و على قصده الشريف فيها حصل، قد خرّج الأحاديث العليّات؛ البلدانيات، و هي عن شيوخ جملة، سمع المخرّج من كلّ واحد منهم ببلد أو محلّة، لا يكرّر فيها شيخا و لا مكانا، و لا يقصّر في إيضاحها تبيينا و بيانا، فكان أوّل من علمته ابتكر هذا الصّنيع، و أظهر هذا القصد البديع؛ عتيق بن علي بن داود السّمنطاري [5]، تلميذ أبي نعيم الأصبهاني.
[1] يعني: شيخه الحافظ ابن حجر (رحمه اللّه) على الجميع.
[2] هو الحافظ الخطيب البغدادي كما صرح بذلك المصنف في «الضوء اللامع» 8/ 5.
[3] انظر «الجواهر و الدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر» للمؤلف 1/ 272.
[4] ذكر المؤلّف- (رحمه اللّه)- هذا الفصل- و هو الاعتناء بالبلدانيات- في كتابه الماتع «الجواهر و الدّرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر» 1/ 195- 197.
[5] الزاهد، الصالح، العابد، أحد عبّاد الجزيرة المجتهدين، و زهادها العالمين، ممن رفض الأولى و لم يتعلق منها بسبب، و طلب الأخرى و بالغ في الطلب، أكثر الترحال و التطواف،-