نام کتاب : الإمام الصادق و المذاهب الأربعة نویسنده : الشيخ أسد حيدر جلد : 4 صفحه : 484
و لقد كانت خلقة الحاكم بأمر اللّه تساعده كذلك، توحي بأنه شخص متميز عن الآخرين، و تؤكد لديه هذا الإحساس. فلقد وصفته الروايات المعاصرة له فقالت:
(كان منظره مثل الأسد، و عيناه واسعة شهل- (يخالط سواد عينيه زرقة) و إذا نظر إلى الإنسان يرتعد لعظم هيبته، و كان صوته جهر مخوف، فإذا أشرف عليهم، سقطوا على الأرض وجلا منه، و فحموا عن خطابه) [1].
و زاد الطين بلّة أن الغلو في ذات الحاكم وصل إلى حد التأليه، و أن الغلو جاء من بعض المقرّبين إليه، بحيث انفرط عقد مبادئ المذهب، و اختلطت عقائده.
و يعبّر أحد الدعاة عن هذه الحالة في زمن الحاكم بقوله: (فغلا فيه صلى اللّه عليه من غلا، و سفل بذلك من حيث ظن أنه علا، و وقع في أهل الدعوة و المملكة في الاختباط، و كثر الزيغ و الاختلاط) [2].
و لعل المتداخلين في صفوف المسلمين- و الذين يسعون بكل جهد لمحو العقيدة الإسلامية- قد استغلوا هذا الشعور و غلوّ الاتباع في شخصية الحاكم، فنفثوا السموم في جسم ذلك المجتمع المتماسك في عقيدته بالوحدانية و النبوة، فراحوا يبثّون تأليه الحاكم و نفي التوحيد و النبوة.
و من أولئك: الفرغاني المعروف بالأخرم، رجل من بلاد فارس، تسمّى بالحسن بن حيدرة، و هو رجل أجدع الأنف أو مثقوبه، فعرف بالأجدع، و كان ظهور دعوته سنة 409 ه 1018 م على خلاف في ذلك.
قام الأخرم بنشر الإلحاد، و قال أن المعبود هو الحاكم، و دعى لإبطال النبوة، فأسقط اسم اللّه و اسم النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) و اعتبر التنزيل و التأويل و التشريع خرافات و قشورا.
و دخل في خمسين رجلا من أعوانه إلى الجامع الذي كان فيه قاضي القضاة ابن أبي العوام، فدخلوا فيه راكبين، و أخذوا أموال الناس و ثيابهم، و سلّموا لابن أبي الهوام رقعة ليقرأها الناس، و قد بدأ باسم الحاكم الرحمن الرحيم، فرفع القاضي صوته منكرا، و هجم الناس على الأخرم و قتلوا أصحابه، أما هو فقد هرب (و قيل قتل) و إنه
[1] محمد عمارة: عند ما أصبحت مصر عربية ص 97 نقلا عن: الحاكم بأمر اللّه و أسرار الدعوة الفاطمية لمحمد عبد اللّه عنّان.