نام کتاب : الإمام الصادق و المذاهب الأربعة نویسنده : الشيخ أسد حيدر جلد : 4 صفحه : 409
و لقد بحثنا في الجزء الثالث آراء الإمام الشافعي في علم الكلام و خلق القرآن و الصفات و الإمامة. و نرى ما حررناه في هذا الجزء جديرا باستكمال الفائدة [1].
الانتقال إلى مصر:
لا شك أن الشافعي كان طموحا، فلم يتمكن من الإقامة في بغداد إلى جانب محمد بن الحسن الشيباني و صفته فيها طالب علم، حتى قال: حملت عن محمد بن الحسن حمل بختي. و مرة قال: وقر بعير ليس عليه إلا سماعي منه [2]. و كان في قدومه الأول منقطعا إلى الحسن.
و تختلف الروايات في الأسباب التي حملت الشافعي على الانتقال إلى مصر، و نحن نرجح أن يكون اصطدامه بحواجز الشهرة و السلطان التي كانت تقف أمامه و تحيط مكانة محمد بن الحسن، و بلوغه درجة علمية تجعله يطمح إلى مكانة أعلى لا يبلغها بوجود محمد بن الحسن.
و قد قيل: إنه كان يتشوق إلى مصر، و رووا له شعرا بذلك:
أرى النفس قد أضحت تتوق إلى مصر* * * و من دونها قطع المهامة و القفر
فو اللّه ما أدري أ للفوز و الغنى* * * أ ساق إليها أم أ ساق إلى القبر؟
و هذه الأبيات تنسب إلى الحسن بن هاني المعروف بأبي نؤاس، و إن الشافعي تمثّل بها.
و قيل إنه قدم مصر رغبة منه في معارضة انتشار أقوال أبي حنيفة و مالك- كما حدّث الربيع- قال: سألني الشافعي عن أهل مصر، فقلت: هم فرقتان فرقة مالت إلى قول مالك و ناضلت عليه، و فرقة مالت إلى قول أبي حنيفة و ناضلت عليه. فقال:
أرجو أن أقدم مصر إن شاء اللّه فآتيهم بشيء أشغلهم به عن القولين.
و الحقيقة إنه قوبل في مصر كتلميذ لمالك، و كان لمالك ذكر في مصر و تلامذته ينشرون أقواله و يتبعونه، و نزل ضيفا على محمد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، فكرّم مثواه، و كانت لمحمد هذا مكانة في مصر، و هو من تلامذة مالك و إليه انتهت الرئاسة في مصر و لا يعدلون به أحدا.