نام کتاب : الإمام الصادق و المذاهب الأربعة نویسنده : الشيخ أسد حيدر جلد : 4 صفحه : 203
إلى التلف و الهلاك. فجسور الودّ قائمة، و حبال الوصل ممدودة، و الفترة تشهد سواه ممن يقوم بهذا الواجب. و في سيرة إسحاق بن حنبل عمّه- ما يشير إلى مخالفة أحمد ليس في أمر المال فحسب، بل في نظرته إلى ما يتاح له من عمل.
فيسأله الدخول على الخليفة ليأمره و ينهاه قائلا له: إنه يقبل منك. و هذا إسحاق بن راهويه يدخل على ابن طاهر فيأمره و ينهاه، فيجيبه أحمد بالسلبية التي لا يرجى تغييرها: الدنو منهم فتنة، و الجلوس معهم فتنة، نحن متباعدون منهم و ما أرانا نسلم، فكيف لو قربنا منهم؟ هذا و الإمام أحمد في ظل دولة تكاد تعلن آراءه و نهجه مذهبا لها، و يتقرّب إليه ملكها بودّ كبير، و ليس للحكام معه عداء أو مع أهله، و لا يشكل وجوده خطرا عليهم.
و هنا نشير إلى منهج أهل البيت النبوي الكرام، و أولاد الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) و نسوق مثالين: أحدهما في عصر الأمويين، و الآخر في عهد العباسيين، إذ لم يتخلّ الحكام عنهم في كلا العصرين، و استمروا في معاملتهم بقسوة دموية و سياسة لا إنسانية، لأنهم يشكلون خطرا يتهدّد كيانهم الجائر و سلطانهم الظالم.
عن المسئولية الدينية و وجه القيام بها في العصر الأموي نشير إلى الإمام علي بن الحسين زين العابدين، الذي عاش مأساة الطف، و شبّ و جريمة الأمويين تصبغ بالعار كل أوجه الحياة، فسلك طريق الانقطاع إلى اللّه، و توجيه الأمة بالنصح و الإرشاد، و هو في ظل حكم السلالة الأموية، فيرى أن التارك للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر كنابذ كتاب اللّه وراء ظهره، إلّا أن يتّقي تقاة. قيل: و ما تقاته؟ قال:
و عن الضرورة التي تجعل التقية جنّة المؤمن عملا بقوله تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً نحيل إلى ما ضمّه هذا الكتاب من صفحات من سيرة الإمام الصادق (عليه السلام) و هو يواجه الطغيان العباسي، و يرى أن التعرّض للدولة قتل للنفس، و اللّه سبحانه و تعالى يقول: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ فتحامى الحكام، و دعا إلى وقاية الأنفس و حفظ