الفصل الثالث: في عدم جواز التمسّك بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص و ينبغي أوّلا تمهيد مقدّمة و هي: أنّه لا إشكال في أنّ الاصول العمليّة مشتركة مع الاصول في هذه الجهة، و أنّه لا مجال لجريانهما إلّا بعد الفحص عن المعارض، إلّا أنّهما يفترقان من جهة أنّ عدم الجواز في الاولى لعدم المقتضي، و في الثانية للمانع.
و ذلك: لأنّه لمّا كان مقتضى الشرع و الشريعة، بل مطلق العبوديّة و المولويّة هو أن يكون المولى في مقام بيان ما هو وظيفة العبد و تكاليفه، و لذلك يلزم على الشارع الحكيم نشر الأحكام بإرسال الرسل و إنزال الكتب و يقبح عليه الإهمال، و لكن بالطرق العادية لا بأن يعلّمه جبرا و قهرا، فهكذا يلزم على العبد أن يكون في مقام الاطّلاع على ما كلّفه مولاه عليه، و تعلّم الأحكام المشروعة بالفحص عنها و التفتيش لمظانّ وجودها، و ليس له إجراء البراءة من أوّل الأمر لمحض عدم وجود البيان، و إنّما محلّها بحكم العقل الضروري بعد التفتيش و عدم العثور، كما لا يخفى.
و بالجملة؛ إجراء البراءة من أوّل الأمر بلا فحص يلزم منه إفحام الأنبياء؛ فمن هنا أصل المقتضي لإجراء الأصل مفقود، و هذا بخلاف الاصول اللفظيّة كأصالة العموم و الإطلاق، فإنّها أمارات عقلائيّة مقتضى التمسّك بها في كلّ مورد شكّ في المعارض تامّ لا نحتاج إلى مئونة أصلا، بل اللفظ كلّما صدر و لم يكن محفوفا بالقرينة الصارفة لظاهره؛ يجري أصالة الإطلاق بلا انتظار شيء،