ثمّ إنّه بقي الكلام بالنسبة إلى الحرمة التشريعيّة، فهل تقتضي الفساد أم لا؟
و ينبغي تحرير محلّ النزاع كذلك من أنّه إذا اتيت بعبادة أو معاملة مشكوكا في مشروعيّتها، هل تفسد مطلقا، أو فيما إذا خالفت الواقع أو لا تفسد مطلقا؟
أمّا في المعاملات؛ فلا إشكال في أنّها لو طابقت الواقع فلا تقتضي شيئا [من] الفساد فيها، و لو كانت حين الوقوع مشكوكا فيها، لما هو الواضح من أنّه لا يعتبر فيها شيء سوى الإمضاء الغير المتوقّف على العلم و نحوه، و المفروض عدم اعتبار قصد الأمر أو القربة فيها بشيء حتّى يقع خلل فيها من هذه الجهة.
فعلى هذا لا مجال للتأمّل في عدم اقتضاء التشريع فيها الفساد [1] و إنّما البحث يقع في العبادات.
و التحقيق فيها يستدعي ذكر مقدّمة، و هي: أنّه لا خفاء في أنّ الأحكام المستقلّ بها العقل تارة تكون بحيث يحكم به العقل في صورة العلم أو الظنّ أو الشكّ، و اخرى لا يختصّ بأحدها، بل يستقلّ في الحكم فيما لم يعلم، بمعنى ظرفه الجهل و الشكّ، لا أحد الإدراكات معيّنا، و ذلك لأنّه لا حكم للعقل مطلقا، بحيث يتعلّق بذات الأشياء مع قطع النظر عن لحاظ جهة إدراك فيها، لمكان أنّه لفقد العقل الإحاطة التامّة بحقائق الموجودات، بحيث يرى المصلحة و المفسدة في الذوات مجرّدة عن رعاية أحوال الفاعل كما يكون للشارع ذلك، حيث إنّ
[1] فالحرمة التشريعيّة الناشئة عن القبح العقلي حسبما سنحرّر إنّما تؤثّر في المعاملة من جهة الإصدار، و قد تقدّم أنّه لا يوجب الفساد، «منه (رحمه اللّه)».