فطوّلتها حتى استحييت من الناس طولها. فحضرته يوما و قد دعا بمزور مختوم فأمرني بفضّه و ادخال يدي فيه و تقليب الدواء الذي فيه ففعلت و كان فيه شيء مطحون مثل الذريرة البيضاء امتلأت أظفاري منه و صار فيها منه ثم قال لي: قم بنا.
فلم أدر ما يريد فيدخل من باب كان بينه و بين دار الرضا (عليه السّلام) و كان قد أنزله في دار معه تلاصق داره و كان الرضا (عليه السّلام) قد حم فجلس عنده و سأله عن خبره ثم قال له:
الصواب ان تمص رمانا أو تشرب ماءه.
فقال: ما بي إليه حاجة.
فأقسم عليه ليفعلن، و كان في بستان الدار شجرة رمان حامل فأمر الخادم فقطف منها رمانة ثم قال لي: تقدّم فقشّرها و فتّها.
فقلت في نفسي: انّا للّه و انّا إليه راجعون، هذه و اللّه المصيبة العظمى.
ففتت الرمانة في جام بلور أحضره الخادم و دعا بملعقة فناوله من يده ثلاث ملاعق.
فلما رفع إليه الرابعة قال له: حسبك قد أتيت على ما احتجت إليه و بلغت مرادك.
فنهض المأمون فلم يمس يومنا حتى ارتفع الصراخ.
و كان من حديث حفر القبر و السمك الصغار ما رواه الناس.
و دفن (عليه السّلام) بطوس أمام قبر هارون الغوي. و مضى صلّى اللّه عليه في سنة اثنين و مائتين من الهجرة في آخر ذي الحجة.
و روي انّه مضى في صفر، و الخبر الأول أصح. و كان مولده في سنة ثلاث و خمسين و مائة بعد مضي أبي عبد اللّه (عليه السّلام) بخمس سنين فأقام مع أبيه (عليه السّلام) ثلاثين سنة و بعده في الامامة تسع عشرة سنة، و مضى و سنّه تسع و أربعون سنة و شهور.
و روي علي بن محمد الخصيبي قال: حدّثني محمد بن إبراهيم الهاشمي قال: حدّثني عبد الرحمن بن يحيى قال: كنت يوما بين يدي مولاي الرضا (عليه السّلام) في علته التي مضى فيها إذ نظر إليّ فقال لي: يا عبد الرحمن اذا كان في آخر يومي هذا و ارتفعت الصيحة فانّه سيوافيك ابني محمد فيدعوك الى غسلي فاذا غسلتموني و صليتم عليّ فأعلم هذا الطاغية لئلا ينقص عليّ شيئا و لن يستطيع ذلك.