الْبَابُ الْعِشْرُونَ : فِي أَحْكَامِ الْحِسْبَةِ الْحِسْبَةُ : هِيَ أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ إذَا ظَهَرَ تَرَكَهُ وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ إذَا أُظْهِرَ فَعَلَهُ .وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : * ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ ) * .وَهَذَا ، وَإِنْ صَحَّ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ فَالْفَرْقُ فِيهِ بَيْنَ الْمُتَطَوِّعِ وَالْمُحْتَسِبِ مِنْ تِسْعَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا أَنَّ فَرْضَهُ مُتَعَيَّنٌ عَلَى الْمُحْتَسِبِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ ، وَفَرْضُهُ عَلَى غَيْرِهِ دَاخِلٌ فِي فُرُوضِ الْكِفَايَةِ .وَالثَّانِي : أَنَّ قِيَامَ الْمُحْتَسِبِ بِهِ مِنْ حُقُوقِ تَصَرُّفِهِ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَشَاغَلَ عَنْهُ ، وَقِيَامُ الْمُتَطَوِّعِ بِهِ مِنْ نَوَافِلِ عَمَلِهِ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يَتَشَاغَلَ عَنْهُ بِغَيْرِهِ .وَالثَّالِثُ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ لِلِاسْتِعْدَاءِ إلَيْهِ فِيمَا يَجِبُ إنْكَارُهُ ، وَلَيْسَ الْمُتَطَوِّعُ مَنْصُوبًا لِلِاسْتِعْدَاءِ .وَالرَّابِعُ : أَنَّ عَلَى الْمُحْتَسِبِ إجَابَةَ مَنْ اسْتَعْدَاهُ وَلَيْسَ عَلَى الْمُتَطَوِّعِ إجَابَتُهُ .وَالْخَامِسُ : أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ الْمُنْكَرَاتِ الظَّاهِرَةِ لِيَصِلَ إلَى إنْكَارِهَا وَيَفْحَصَ عَمَّا تُرِكَ مِنْ الْمَعْرُوفِ الظَّاهِرِ لِيَأْمُرَ بِإِقَامَتِهِ وَلَيْسَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُتَطَوِّعَةِ بَحْثٌ وَلَا فَحْصٌ .وَالسَّادِسُ : أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ عَلَى إنْكَارِهِ أَعْوَانًا ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ هُوَ لَهُ مَنْصُوبٌ وَإِلَيْهِ مَنْدُوبٌ لِيَكُونَ لَهُ أَقْهَرَ وَعَلَيْهِ أَقْدَرَ وَلَيْسَ لِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يَنْدُبَ لِذَلِكَ أَعْوَانًا .وَالسَّابِعُ : أَنَّ لَهُ أَنْ يُعَزِّرَ فِي الْمُنْكَرَاتِ الظَّاهِرَةِ لَا يَتَجَاوَزُ إلَى الْحُدُودِ ، وَلَيْسَ لِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يُعَزِّرَ عَلَى مُنْكَرٍ .وَالثَّامِنُ : أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْتَزِقَ عَلَى حِسْبَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يَرْتَزِقَ عَلَى إنْكَارِ مُنْكِرٍ .وَالتَّاسِعُ : أَنَّ لَهُ اجْتِهَادَ رَأْيِهِ فِيمَا تَعَلَّقَ بِالْعُرْفِ دُونَ الشَّرْعِ كَالْمَقَاعِدِ فِي الْأَسْوَاقِ وَإِخْرَاجِ الْأَجْنِحَةِ فِيهِ فَيُقِرُّ وَيُنْكِرُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا لِلْمُتَطَوِّعِ ، فَيَكُونُ الْفَرْقُ