responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : اختيار مصباح السالكين نویسنده : البحراني، ابن ميثم    جلد : 1  صفحه : 504


هموم النّاس - همّ نفسى ، فصدفنى رأيى ، وصرفنى عن هوائى ، وصرّح لى محض أمرى ، فأفضى بى إلى جدّ لا يكون فيه لعب ، وصدق لا يشوبه كذب ، ووجدتك بعضى ، بل وجدتك كلَّى ، حتّى كأنّ شيئا لو أصابك أصابنى ، وكأنّ الموت لو أتاك أتانى فعنانى من أمرك ما يعنيني من أمر نفسى ، فكتبت إليك كتابى هذا مستظهرا به إن أنا بقيت لك أو فنيت . فانّى أوصيك بتقوى اللَّه أي بنيّ ولزوم أمره ، وعمارة قلبك بذكره ، والاعتصام بحبله ، وأىّ سبب أوثق من سبب بينك وبين اللَّه إن أنت أخذت به أحى قلبك بالموعظة ، وأمته بالزّهادة ، وقوّه باليقين ، ونوّره بالحكمة ، وذلَّله بذكر الموت ، وقرّره بالفناء ، وبصّره فجائع الدّنيا ، وحذّره صولة الدهر ، وفحش تقلَّب اللَّيالى والأيّام ، واعرض عليه أخبار الماضين ، وذكَّره بما أصاب من كان قبلك من الأوّلين ، وسر فى ديارهم وآثارهم ، فانظر فيما فعلوا ، وعمّا انتقلوا ، وأين حلَّوا ونزلوا ، فإنّك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبّة وحلَّوا ديار الغربة ، وكأنّك عن قليل قد صرت كأحدهم ، فأصلح مثواك ، ولا تبع آخرتك بدنياك ، ودع القول فيما لا تعرف ، والخطاب فيما لم تكلَّف وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته ، فإنّ الكفّ عند حيرة الضّلال خير من ركوب الأهوال ، وأمر بالمعروف تكن من أهله ، وأنكر المنكر بيدك ولسانك ، وباين من فعله بجهدك ، وجاهد فى اللَّه حقّ جهاده ، ولا تأخذك فى اللَّه لومة لائم ، وخض الغمرات للحقّ حيث كان ، وتفقّه فى الدّين ، وعوّد نفسك التّصبّر على المكروه ، ونعم الخلق التّصبّر ، وألجىء نفسك فى الأمور كلَّها إلى إلهك فإنّك تلجئها إلى كهف حريز ، ومانع عزيز ، وأخلص فى المسألة لربّك فإنّ بيده العطاء والحرمان ، وأكثر الاستخارة وتفهّم وصيّتى ، ولا تذهبنّ عنها صفحا ، فإنّ خير القول ما نفع ، واعلم أنّه لا خير فى علم لا ينفع ، ولا ينتفع بعلم لا يحقّ تعلَّمه .
أى بنىّ ، إنّى لمّا رأيتنى قد بلغت سنّا ، ورأيتنى أزداد وهنا ، بادرت بوصيّتى إليك ، وأوردت خصالا منها قبل أن يعجل بى أجلى دون أن أفضى إليك بما فى نفسى ، وأن أنقص فى رأيى كما نقصت فى جسمى ، أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى ، أو فتن الدّنيا ، فتكون كالصّعب النّفور ، وإنّما قلب الحدث كالأرض الخالية : ما ألقى فيها من شيء قبلته ، فبادرتك بالأدب قبل ان يقسو قبلك ويشتغل لبّك ، لتستقبل بجدّ رأيك

نام کتاب : اختيار مصباح السالكين نویسنده : البحراني، ابن ميثم    جلد : 1  صفحه : 504
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست