نام کتاب : اختيار مصباح السالكين نویسنده : البحراني، ابن ميثم جلد : 1 صفحه : 156
48 - ومن خطبة له عليه السّلام الحمد للَّه الَّذى بطن خفيّات الأمور ، ودلَّت عليه أعلام الظَّهور ، وامتنع على عين البصير ، فلا عين من لم يره تنكره ، ولا قلب من أثبته يبصره : سبق في العلوّ فلا شيء أعلى منه . وقرب فى الدّنوّ فلا شيء أقرب منه . فلا استعلاؤه باعده عن شيء من خلقه ، ولا قربه ساواهم في المكان به ، لم يطلع العقول على تحديد صفته ، ولم يحجبها عن واجب معرفته ، فهو الَّذى تشهد له أعلام الوجود ، على إقرار قلب ذى الجحود - تعالى اللَّه عمّا يقول المشبّهون به ، والجاحدون له - علوّا كبيرا . اقول : بطونه لخفيّات الأمور : نفوذ علمه تعالى فيها ، يقال : بطنت الامر اذا علمت باطنه . واعلام ظهوره : آياته وآثاره الظَّاهرة في العالم الدالَّة على وجوده الظاهر في كل صورة منها كقوله تعالى : * ( ( سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الآْفاقِ وفِي أَنْفُسِهِمْ ) ) * [1] الآية . وكونه لا ينكره عين من لا يبصره لشهادته فطرته بحاجته الى مدبّر حكيم ، وكذلك لا يبصره قلب من اثبته اى : لا يبصره بعين حسّه او لا تدرك حقيقته ، وفي هذين السّلبين : تنبيه على الفرق بين مدركات العقل ، ومدركات الحسّ ، إذ ليس كلّ معقول يجب أن يكون محسوسا ، والسلبان : متلازمان متعاكسان ، وسبقه للاشياء في العلوّ هو : السبق بالشرف والعلَّيّة دون المكان والجهة والزمان ، وقربه لها من دنوّه منها قربه بعلمه وجوده ، وتصريفه لها بخفىّ لطفه ، وهو اقرب الى العبد من نفسه لعلمه بهادونه ، ولم يباعده عن شيء من خلقه استعلاؤه عنه ، إذ ليس علوا مكانيا ولا قربهم يساواهم في المكان به اذ ليس قربا حسيّا ، وعدم اطَّلاع العقول على تحديد صفته إمّا لأنّه لا صفة له فيحدّ ، او لأنّه لا يتناهى اعتبار صفاته ، وقد سبق بيانه ، ولم يحجب العقول عن واجب معرفته ، لشهادة فطرها بوجود صانعها وهو : القدر الواجب الضّرورى لها . ولفظ اعلام الوجود مستعار لآثاره الموجودة الدّالة على وجوده ، وكمال قدرته وعلمه . وانّما قال : على اقرار قلب ذى الجحود : لانّ كثيرا من الناس ربما جحده بطريق