نام کتاب : كشاف اصطلاحات الفنون و العلوم نویسنده : التهانوي، محمد علي جلد : 2 صفحه : 1799
فقد اختلف دلالته فتارة على الشيء وحده و تارة عليه و على نقيضه أو
عليه و على ضدّه، و ما كان ثابتا لشيء بالذات و بحسب اقتضائها لا يتخلّف عنها و
لا تختلف في شيء من الأحوال قطعا فلا تكون دلالته مستندة إلى ذاته، و بهذا
التقرير يندفع ما يقال لم لا يجوز أن يكون للفظ مناسبة ذاتية إلى النقيضين أو
الضدين إذ لا دليل على استحالته. نعم إنّه مستبعد لكنه لا ينافي الجواز و لا
الوقوع. ثم إنّه لا يلزم التخصيص بلا مخصّص إذ إرادة الواضع المختار يصلح مخصصا من
غير انضمام داعية إليه كتخصيص اللّه الحدوث بوقت و كتخصيص العبد الأعلام بالأشخاص.
و اعلم أنّ المخالف لعلّه يدعي ما يدعيه الاشتقاقيون في ملاحظة الواضع مناسبة ما
بين اللفظ و مدلوله في الوضع و إلّا فبطلانه ضروري.
فائدة:
الواضع إمّا اللّه تعالى أو الخلق أو اللّه تعالى و الخلق بالتوزيع،
ثم أن يجزم بأصالة الثلاثة أم لا؟ فهذه أربعة أقسام، قال بكلّ قسم منها قائل. فقال
الأشعري و متابعوه الواضع للغات هو اللّه تعالى و علّمها بالوحي أي بأن خاطب إمّا
بذاته أو بإرسال ملك عبدا أو داعيا بكون الألفاظ موضوعة للمعاني، أو بخلق أصوات
تدلّ على الوضع، و ذلك إمّا بخلق الأصوات و الحروف أعني جميع الألفاظ التي وضعها
للمعاني و إسماعها لواحد أو لجماعة بحيث يحصل له أو لهم العلم بأنّها بإزاء تلك
المعاني، و إمّا بخلق أصوات و حروف تدلّ على أنّ تلك الألفاظ موضوعة، أو بخلق علم
ضروري بأن يخلق العلم الضروري لواحد أو لجماعة باللغات و أنّ واضعها قد وضعها لتلك
المعاني المخصوصة. و قالت البهشمية أي أصحاب أبي هاشم وضعها البشر واحدا أو جماعة
بأن انبعث داعيته أو داعيتهم إلى وضع هذه الألفاظ بإزاء معانيها ثم حصل تعريف
الباقين بالإشارة و التكرار كما في الأطفال يتعلمون اللغات بترديد الألفاظ مرة بعد
أخرى مع قرينة الإشارة و غيرها، كأن يقال هات الكتاب و لم يكن فيه غيره فيعلم أنّ
اللفظ بإزائه. و قال الاستاذ أبو إسحاق الواضع هو اللّه تعالى و الخلق بالتوزيع لا
من حيث أنّ بعضا لهذا قطعا و بعضا لذلك قطعا، بل من حيث إنّ البعض للّه سبحانه
جزما و البعض الآخر يتردّد بينهما، و أما عكس مذهبه بأن يكون الاصطلاحي مقدّما على
التوقيفي فهو و إن كان مندرجا تحت التوزيع لكنه على ما قيل من أنّه لم يتحقّق لا
هو و لا صاحبه، و القدر المحتاج إليه في التعريف يحصل بالتوقيف من قبل اللّه و
غيره محتمل للأمرين. و قال القاضي أبو بكر الجميع ممكن عقلا و لشيء من أدلة
المذاهب لا يفيد القطع فوجب التوقّف و هذا هو الصحيح.
ثم إنّه إن كان المقصود هو الظّنّ بأن كان النزاع في الظهور لا في
القطع و هو الحقّ إذ الألفاظ يكتفى فيها بالظواهر، فالحقّ ما صار إليه الأشعري
لقوله تعالى وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها[1]
فائدة:
طريق معرفة الوضع هو النقل لأنّ وضع لفظ معيّن لمعنى معيّن من
الممكنات و العقل لا يستقلّ بها. و النقل إمّا متواتر يفيد القطع أو آحاد يفيد
الظّنّ، و اللغات قسمان: قسم لا يقبل التشكيك كالأرض و السماء و الحرّ و البرد مما
يعلم وضعها لما يستعمل فيه قطعا، و قسم يقبله