نام کتاب : رسالة في النفس و بقائها و معادها نویسنده : ابن سينا جلد : 1 صفحه : 198
كانت قابلة للفيض الإلهي. و أما الإنسان، و إن اعتدال مزاجه غاية
الاعتدال، فليس يخلص عن شوائب الأضداد. و لا جرم ما دامت النفس الناطقة متعلقة
بالبدن لا يصفو قبول الفيض الإلهي، و لا تنكشف له المعقولات بأسرها و جملتها تمام
الانكشاف، لكنه إذا بذل جهده فى التزكية العلمية و اكتسب ملكة الاتصال بالفيض
الإلهي، أى بالجوهر العقلى الّذي يكون الفيض الإلهي بواسطته- و يسمى هو فى لسان
الشرع ملكا و فى لسان الحكمة عقلا فعالا- و اعتدل مزاجه، و عدم هذه الأضداد المانعة
من قبول الفيض الإلهي، فقد حصل له مشابهة ما بالأجرام الفلكية، فشابه بهذه التزكية
السبع الشداد، أى الأفلاك السبعة.
و لما انقطع علاقة النفس بالبدن بسبب الموت الّذي يعبر عنه بمفارقة
الصورة للقوابل، فإن اسم الصورة قد يطلق على النفس و اسم القابل لها على البدن، و
إن لم يكن معنى هذا القبول هو كقبول المحل لما يحل فيه، بل كقبول محل التصرف
للتصرف؛ فالبدن يقبل تصرف النفس، و بهذا الاعتبار جاز أن يسمى قابلا للنفس، و جاز
أن تسمى النفس صورة، فجاز أن يعبر عن انقطاع العلاقة بينهما بمفارقة الصورة
للقوابل. و إذا حصلت هذه المفارقة، و النفس قد اكتسبت الملكات الفاضلة العلمية و
العملية، و قد زال المانع عن قبول الفيض الإلهي بالكلية و هو علاقة التصرف فى
البدن، فيقبل الفيض الإلهي، و ينكشف له ما كان محجوبا عنه قبل المفارقة، فحصل له
مشابهة بالعقول المجردة التى هى أوائل علل الموجودات، إذ الحقائق كلها منكشفة لتلك
العقول.
و قد عرفت أن اللّه تعالى خلق أولا عقلا ثم بواسطته عقلا آخر و فلكا،
و بواسطة العقل الآخر عقلا ثالثا و فلكا ثانيا، على الترتيب الّذي ذكرنا. فالعقول
أوائل العلل.
[فقوله: إن زكاها بالعلم و العمل فقد شابه جواهر أوائل العلل أى العقول.
و قوله: إذا اعتدل مزاجه بعدم الأضداد أى الكيفيات المتضادة، و شاكل بها السبع
الشداد أى الأفلاك السبعة. و فارقت صورته القوابل أى انقطعت العلاقة التى بينه و
بين البدن فشاكل به العلل الأوائل أى العقول المجردة].
نام کتاب : رسالة في النفس و بقائها و معادها نویسنده : ابن سينا جلد : 1 صفحه : 198