و أيضا فإنّه قد تكون القوّة الدرّاكة ممنوّة بضدّ ما هو كمالها، و
لا تحسّ به و لا تنفّر عنه، حتّى إذا زال العائق تأذّت به و رجعت إلى غريزتها. مثل
الممرور؛ فربّما لم يحسّ بمرارة فمه إلى أن يصلح مزاجه و يستبقى [1] أعضاؤه، فحينئذ ينفّر عن الحال
العارضة له. و كذلك قد يكون الحيوان غير مشته للغذاء البتة، بل [2] كارها له، و هو أوفق شيء له، و
يبقى عليه مدة طويلة، فإذا زال العائق عاد إلى واجبته
[3] في طبعه فاشتدّ جوعه و شهوته للغذاء، حتّى لا يصبر عنه و يهلك عند
فقدانه.
و قد يحصل سبب الألم العظيم، مثل إحراق النار و تبريد الزمهرير،
إلّا أنّ الحسّ مؤوف فلا يتأذّى البدن به، حتّى تزول الآفة، فيحسّ حينئذ بالألم
العظيم.
[النتيجة في بيان كمال النفس الناطقة]
فإذا تقرّرت هذه الأصول فيجب أن ننصرف إلى الغرض الذي نؤمه.
فنقول: إنّ النفس الناطقة كمالها الخاصّ بها أن تصير عالما عقليا
مرتسما فيها صورة الكلّ، و النظام المعقول في الكلّ، و الخير الفائض