فهذا و أمثاله قد تزيح [1] علة المتحيّر المسترشدين فى أن يعرف أن الإيجاب و السلب لا يجتمعان [2]، و لا يصدقان [3] معا. و كذلك أيضا قد تبين له أنهما لا
يرتفعان [4] و لا يكذبان معا [5]، فإنه إذا كذبا معا فى شئ، كان ذلك
الشئ ليس بانسان مثلا، و ليس أيضا بلا إنسان. فيكون قد اجتمع الشىء الذى هو اللا
إنسان و سالبه الذى هو لا لا إنسان، و قد نبه على بطلانه. فهذه الأشياء و ما
يشبهها مما لا يحتاج أن نطوّل فيه، و بحلّ الشّبه المتقابلة من قياسات المتحير
يمكننا أن نهديه.
و أما المتعنّت [6] فينبغى أن يكلف شروع النار، إذ النار و اللانار واحد؛ و أن يؤلم
ضربا، إذ الوجع و اللاوجع واحد؛ و أن يمنع الطعام و الشراب، إذ الأكل و الشرب و
تركهما واحد.
فهذا المبدأ الذى ذببنا عنه من يكذّبه، هو أول مبادئ البراهين، و على
الفيلسوف الأول [7]
أن يذب عنه. و مبادئ البراهين تنفع فى البراهين. و البراهين تنفع فى معرفة الأغراض
الذاتية لموضوعاتها. لكن معرفة جوهر الموضوعات الذى كانت فيما سلف تعرف بالحد فقط،
فمما يلزم الفيلسوف ههنا أن يحصّله، فيكون لهذا العلم الواحد أن يتكلم فى الأمرين
جميعا.