و قد كان بان أنه ليس الغرض فى تلك الحركات شيئا يوصل إليه بالحركة،
و إلّا لزم الانقطاع، بل شيئا مباينا لا يوصل إليه. و بان الآن أنه ليس جسما، فبقى
أن الغرض لكل فلك تشبه بشىء غير جواهر الأفلاك من موادها و أنفسها، و محال أن
يكون بالعنصريات و ما يتولد عنها و لا أجسام و لا أنفس غير هذه، فبقى أن يكون لكل
واحد منها شوق تشبه بجوهر عقلى مفارق يخصه و تختلف الحركات و أحوالها اختلافها
الذى لها لأجل ذلك، و إن كنا لا نعرف كيفية وجوب ذلك و لميته، و تكون العلة الأولى
متشوقة الجميع بالاشتراك.
ذا معنى قول القدماء إن للكل محركا واحدا معشوقا و أن لكل كرة محركا
يخصها و معشوقا يخصها. فيكون إذن لكل فلك نفس محركة تعقل الخير، و لها بسبب الجسم
تخيل، أى تصور للجزئيات و إرادة للجزئيات، و يكون ما تعقله من الأول و ما يعقله من
المبدأ الذى يخصه القريب منه مبدأ تشوقه إلى التحرك. فيكون لكل فلك عقل مفارق
نسبته إلى نفسه نسبة العقل الفعال إلى أنفسنا، و إنه مثال كلى عقلى [1] لنوع فعله فهو يتشبه به.
و بالجملة، لا بد فى كل متحرك منها لغرض عقلى من مبدأ عقلى يعقل
الخيّر الأول تعالى، و تكون ذاته مفارقة، فقد علمت أن كل ما يعقل مفارق الذات؛ و
من [2] مبدأ للحركة جسمانى أى مواصل للجسم،
فقد علمت أن
[1] - جرى الحقّ على لسانه مع إبرامه على ردّ القول بالمثل الإلهية
كما تقدّم في آخر المقالة السابعة، و كأنّ الحافظ يقول في المقام:
صوفى مجنون كه دى جام و قدح مى شكست
زود به يك جام مى عاقل و فرزانه شد
[2] - عطف على قوله: «و من مبدإ عقلي» أي لا بدّ في كل فلك من مبدإ
عقلي و من مبدإ للحركة جسمانيّ.