الفصل الرابع من المقالة الثامنة فى الصفات الأولى للمبدأ الواجب
الوجود
فقد ثبت لك الآن شىء واجب الوجود، و كان ثبت لك أن واجب الوجود
واحد، فواجب الوجود واحد لا يشاركه فى رتبته شىء فلا شىء سواه واجب الوجود، و إذ
لا شىء سواه واجب الوجود فهو مبدأ وجوب الوجود لكلّ شىء، و يوجبه إيجابا أوليا
أو بواسطة، و إذا كان كل شىء غيره فوجوده من وجوده فهو أول. و لا نعنى بالأول
معنى ينضاف إلى وجوب وجوده حتى يتكثر به وجوب وجوده، بل نعنى به اعتبار إضافته إلى
غيره.
و أعلم أنا إذا قلنا بل بينا أن واجب الوجود لا يتكثر بوجه من
الوجوه، و أن ذاته وحدانى صرف محض حق فلا نعنى بذلك أنه أيضا لا يسلب عنه وجودات و
لا تقع له إضافة إلى وجودات فإن هذا لا يمكن. و ذلك لأن كل موجود فيسلب عنه أنحاء
من الوجود مختلفة كثيرة، و لكل موجود إلى الموجودات نوع من الإضافة و النسبة و
خصوصا الذى يفيض عنه كل وجود، لكنا نعنى بقولنا إنه وحدانى الذات لا يتكثر أنه
كذلك فى ذاته، ثم إن تبعته إضافات إيجابية و سلبية كثيرة فتلك لوازم للذات معلولة
للذات، توجد بعد وجود الذات، و ليست مقومة للذات و لا أجزاء لها.