و أمّا المقدار فلفظه اسم مشترك، فمنه ما قد يقال له مقدار، و يعنى
به البعد [1] المقوّم للجسم الطبيعي، و منه ما يقال
له مقدار، و يعنى به [2]
كمية متصلة تقال على الخط و السطح و الجسم المحدود. و قد عرفت الفرق بينهما.
و ليس و لا واحد منهما مفارقا للمادة.
و لكن المقدار بالمعني الأول و إن كان لا يفارق المادة فإنّه أيضا
مبدء لوجود الأجسام الطبيعية. فإذا كان مبدء لوجودها لم يجز أن يكون متعلق القوام
بها [3]، بمعنى أنه يستفيد القوام من
المحسوسات، بل المحسوسات تستفيد منه القوام. فهو إذن أيضا متقدم بالذات على
المحسوسات. و ليس الشكل كذلك، فإن الشكل عارض لازم للمادة بعد تجوهرها جسما متناهيا
موجودا و حملها سطحا متناهيا. فإن الحدود يعنى بها نهايات الأجسام التى تجب
للمقدار من جهة استكمال المادة به و تلزمه من بعد. فإذا كان كذلك لم يكن الشكل
موجودا إلّا فى المادة و لا علة أولية لخروج المادة إلى الفعل.
و أما المقدار بالمعنى الآخر فإن فيه نظرا من جهة وجوده، و نظرا من
جهة عوارضه. فأما النظر فى أن وجوده أىّ أنحاء الوجود هو، و من أى أقسام الوجود،
فليس هو بحثا أيضا عن معنى متعلق بالمادة.
فأما موضوع المنطق من جهة ذاته فظاهر أنه خارج عن المحسوسات.
فبين أن هذه كلها تقع فى العلم الذى يتعاطى ما لا يتعلق قوامه
بالمحسوسات، و لا يجوز أن يوضع لها موضوع مشترك تكون هى كلها حالاته