فإنا لا نتخيل بياضا لا وضع له و لا مقدار، فضلا عن أن نراه. و إذا
كان له مقدار و وضع و زيادة هيأته البياضية كان جسما أبيض لا مجرد البياض، فإنا
نعنى بالبياض هذه الهيئة الزائدة على المقدار و الحجم، و إن كان لا يبقى على
الجملة التى كان يعرف البياض عليها، بل قد انتقل عن هذه الصورة و صار شيئا آخر
روحانيا. فيكون البياض مثلا له موضوع يعرض له أن تكون فيه البياضية التى على النحو
المعروف، و يعرض له أن يصير مرة أخرى بصورة أخرى روحانية فيكون أولا ما تعرفه
بياضا قد فسد و زالت صورته.
و أما المفارق العقلى فقد أشرنا- فيما سلف- إلى أنه لا يجوز أن ينتقل
مثل هذا الشىء مرة أخرى ذا وضع و مخالطا للأجسام.
و أما إن جعل جاعل البياض شيئا فى نفسه ذا مقدار، فيكون له وجودان:
وجود أنه بياض، و وجود أنه مقدار. فإن كان مقداره بالعدد غير مقدار [1] الجسم الذى هو فيه بالعدد، فإذا كان
فى الأجسام و ساريا فيها فيكون قد دخل بعد فى بعد، و إن كان هو نفس الجسم منحازا
فيكون الأمر قد عاد إلى أن الشىء الذى هو البياض جسم و له بياضيته. فتكون
البياضية موجودة فى ذلك الجسم إلّا أنها لا تفارق، و لا يكون البياض مجموع ذلك
الجسم و الكيفية، بل شىء فى ذلك الجسم. إذ حد البياض و ماهيته ليست ماهية الطويل
العريض العميق، بل تكون ماهية الطويل العريض العميق للحرارة أيضا على هذا الرأى،
فيكون البياض مقارنا لهذا الشىء ناعتا له.
و هذا معنى قولنا: الصفة فى الموصوف، و تكون مع ذلك لا تفارقه و ليست
جزءا من ذلك الشىء الذى هو الطويل العريض، فيكون البياض و الحرارة
[1] - «فإن كان مقداره غيرا بالعدد- أي بالشخص- لمقدار الجسم» خ.
ل.