و ذكر أنّ النظرية منحصرة في أقسام ثلاثة هي: الطبيعية، و التعليمية،
و الإلهية.
و أنّ الطبيعية موضوعها الأجسام من جهة ما هي متحرّكة و ساكنة، و
بحثها عن العوارض التي تعرض لها بالذات من هذه الجهة.
و أنّ التعليمية موضوعها إمّا ما هو كم مجرّد عن المادّة بالذات، و
إمّا ما هو ذو كمّ. و المبحوث عنه فيها أحوال تعرض للكمّ بما هو كمّ. و لا يؤخذ في
حدودها نوع مادّة، و لا قوّة حركة.
و أنّ الإلهية تبحث عن الأمور المفارقة للمادّة بالقوام و الحدّ. و
قد سمعت أيضا أنّ الإلهي هو الذي يبحث فيه عن الأسباب الأولى للوجود الطبيعي و
التعليمي و ما يتعلّق بهما، و عن مسبّب الأسباب و مبدأ المبادئ و هو الإله تعالى
جدّه.
فهذا هو قدر ما كان قد وقفت عليه فيما سلف لك من الكتب. و لم يتبيّن
لك من ذلك أنّ الموضوع للعلم الإلهي ما هو بالحقيقة إلّا إشارة جرت في كتاب
البرهان من المنطق إن تذكّرتها. و ذلك أنّ في سائر العلوم قد كان يكون لك شيء هو
موضوع، و أشياء هي المطلوبة، و مبادئ مسلّمة منها تؤلّف البراهين. و الآن، فلست
تحقّق حقّ التحقيق ما الموضوع لهذا العلم، و هل هو ذات العلّة الأولى، حتّى يكون
المراد معرفة صفاته و أفعاله، أو معنى آخر.
و أيضا قد كنت تسمع أنّ ههنا
[1] فلسفة بالحقيقة، و فلسفة أولى، و أنّها تفيد تصحيح مبادئ سائر
العلوم، و أنّها هي الحكمة بالحقيقة. و قد كنت