الّذي يتراءي بأنّه جدلى وإنه إنّما يأتى في محاوراته بقياس من
المشهورات المحمودة ولا يكون كذلك، والحكيم بالحقيقة هو الّذي إذا قضى بقضية
يخاطب [1] بها نفسه وغير نفسه أنّه قال حقّاً
وصدقاً، فيكون قد عقل الحقّ عقلًا مضاعفاً، وذلك لاقتداره على تمييز بين الحقّ
والباطل، حتي إذا قال قال صدقاً، فهذا هو الّذي إذا فكّروا قال: أصاب، وإذا سمع من
غيره قولًا كاذباً أمكنه إظهاره، والأوّل 46//: بحسب ما يقول، والثّاني: بحسب ما يسمع»،
انتهى [2].
و المستفاد من كلامه هنا وفي المنطق أنّ السّوفسطائي المستعمل فى هذا
المقام ليس منكر الضروريّات كما هو المشهور، بل من يتراءي بالحكمة ويدّعي أنّه
مبرهن وليس كذلك، (1): إمّا لأنّ مقدّماته كاذبة ويعتقد
[3] كذبها ومع ذلك يدّعي حقّيتها، (2): أولأنّها غير ثابتة عنده
بالبرهان ولا يعتقد 50// حقّيتها و إن كانت في الواقع حقّة، ومع كذلكيدّعي
حقيّتها عند النّاس ليعتقدوا فيه الحكمة والكمال.
وعلى هذا فكون كلّ سوفسطائي بهذا المعنى مغالطيّاً بالمعنى المشهور-
أي الّذي مقدّماته باطلة غير لازم لجواز حقّيتها في الواقع كما ذكر و قس عليه حال
المشاغبي! فتقسيم الشّيخ المغالطين إليهما مبني إمّا على تعميم المقسم أو تخصيص
القسم.
ثمّ من كذبت مقدّماته ولميعلم بكذبها بل اعتقد صحّتها وأراد الحكمة
دون اعتقاد النّاس، فالظّاهر عدم كونه سوفسطائيّاً، كما يؤمي إليه ظاهر عبارته.