و أمّا قوله: «فبقى أنّه إنّما يكون
التعلّق من جانب واحد، فإذن الهيولى و الصّورة لا تكونان في درجة التّعلّق و
المعيّة سواء [2]. و للصّورة في الكائنة [3] الفاسدة تقدّم ما، فيجب أن يطلب كيف
هو»
؛ فاعلم أنّه لمّا أبطل في هذه الإشارة كون كلّ واحد منهما محتاجا
إلى الآخر، و كون كلّ واحد منهما غنيّا عن الآخر، ثبت له
[4] إنّهما ليسا معا في درجة الوجود. و كان قد بيّن في الإشارة الّتى
قبل هذه الإشارة أنّ صور الكائنات الفاسدات متقدّمة
[5] بوجه ما. فعند ذلك قد بطلت الأقسام الثّلاثة و لم يبق إلّا القسم
الرّابع، و هو أن تكون الهيولى محتاجة إلى الصّورة. و هذا القسم قد ذكرنا أنّه
ينقسم إلى أقسام ثلاثة: أحدها؛ أن تكون الصّورة علّة مطلقة، و ثانيها؛ أن تكون آلة
أو واسطة مطلقة، و قد مضى [6] إبطال هذين القسمين أيضا [7]. فلم يبق إلّا القسم الثّالث من هذا القسم
[8] إلّا أنّه لم يتكلّم فى تحقيق ذلك بل ذكر أنّه يجب أن يطلب كيفيّة
ذلك التّعلّق.
[الفصل الخامس و العشرون [فى أنّ الحقّ هو أنّ الهيولى توجد عن
سبب أصل و عن معين بتعقيب الصّورة، إذا اجتمعاتمّ وجود الهيولى]]
إشارة [9]:
إنّما يمكن أن يكون ذلك على أحد الأقسام الباقية، و هو أن تكون الهيولى توجد عن
سبب أصل [10] و عن معين بتعقيب الصّورة [11]، إذا اجتمعا تمّ وجود الهيولى. و
تشخّص بها الصّورة، و تشخّصت هى أيضا بالصّورة على وجه يحتمل بيانه كلام غير هذا
المجمل.
التّفسير: لمّا بطلت الأقسام بأسرها سوى قسم واحد منها، و هو أن تكون
الهيولى توجد عن الصّورة مع شىء آخر على معنى: أنّ الصّورة تكون شريكة لشىء آخر،
و يكون مجموعهما هو العلّة لوجود الهيولى، وجب أن يكون هذا القسم هو الحقّ.
و اعلم أنّه لا بدّ في علّة الهيولى من شىء باق بعينه؛ لأنّ الهيولى
موجود معيّن، فلو لم يكن في علّته [12] ما هو باق الذّات [13] بعينه [14]
لكان المعلول الواحد بالعدد معلولا لأمور كثيرة متعاقبة؛ و ذلك