و أمّا قوله: «و يتلوه إدراك الجواهر
العقليّة للأوّل [2] بإشراق
[3] الأوّل، و لما بعده [4] من ذاته»؛
فالمراد [5]
ما ذكرنا [6] من
[7] أنّ إدراك [8] العقل لما هو له أوّل [9] أى لعلّته بإشراق ذلك [10] الأوّل. و أمّا إدراكه لما بعده أى لمعلولاته فمن ذاته.
و أمّا قوله: «و بعدهما الإدراكات
النّفسانيّة الّتى هى نقش و رسم [11] عن طابع [12] عقلىّ متبدّد [13] المبادىء و المناسب»
؛ فالمراد منه ظاهر. و إنّما جعل تلك
[14] الإدراكات نقشا و رسما [15] لأنّها أمور حادثة، فهى كالنّقوش الطّارئة على اللّوح تارة [16] و الزّائلة عنه
[17] أخرى.
[الفصل السابع عشر [فى دفع ما يوهم أنّ حصول صور المعلومات
الكثيرة في ذات البارى تعالى ينافى وحدته الحقيقيّة]]
وهم و تنبيه: و لعلّك تقول: إن كانت المعقولات لا تتّحد بالعاقل، و
لا بعضها مع بعض لما [18]
ذكرت، ثمّ قد سلّمت أنّ واجب الوجود يعقل كلّ شىء فليس واحدا حقّا بل هناك كثرة.
فنقول: إنّه لمّا كان تعقّل ذاته بذاته، ثمّ يلزم قيّوميّته عقلا
بذاته لذاته أن يعقل الكثرة، جاءت الكثرة لا زمة متأخّرة لا داخلة في الذّات
مقوّمة بها [19]، و جاءت أيضا على ترتيب. و كثرة
اللّوازم من الذّات مباينة أو غير مباينة لا تثلم
[20] الوحدة، فالأوّل [21] تعرض له كثرة لوازم إضافيّة، و غير إضافيّة، و كثرة سلوب، و بسبب
ذلك كثرة أسماء [22]. لكن لا تأثير لذلك في وحدانيّة
ذاته.
التّفسير: هذا سؤال جيّد، و تقريره أنّك إذا قلت: اللّه تعالى يعلم
جميع الماهيّات، و العلم عبارة عن حصول صورة المعلوم عند
[23] العالم، فقد حصل في ذاته صور المعلومات بأسرها. ثمّ زعمت أنّ العالم
لا يتّحد بالعلم، فيلزمك أن يكون ذات اللّه تعالى محلّا لتلك الصّور الكثيرة الغير