[الفصل الثانى [فى بيان أنّ النّفس غير هذا البدن و غير حالّة
فيه]]
تبصرة: إذا كانت النّفس النّاطقة قد استفادت ملكة الاتّصال بالعقل
الفعّال، لم يضرّها فقدان الآلات، لأنّها تعقل بذاتها- كما علمت- لا بآلتها. و لو
عقلت بآلتها [5] لكان لا يعرض للآلة كلال ألبتّة
إلّا و يعرض للقوّة العاقلة [6] كلال، كما يعرض لا محالة لقوى الحسّ و الحركة؛ و لكن ليس يعرض هذا
الكلال. بل كثيرا ما تكون القوى الحسّيّة و الحركيّة في طريق الانحلال، و القوّة
العقليّة إمّا ثابتة و إمّا فى طريق النّموّ و الازدياد. و ليس إذا كان يعرض لها
مع كلال الآلة كلال، يجب أن لا يكون لها فعل بنفسها. و ذلك لأنّك [7] علمت
[8] أنّ استثناء عين التّالى لا ينتج. و أزيدك بيانا، فأقول: إنّ
الشّىء قد يعرض [9] له من غيره ما يشغله عن فعل نفسه،
فليس ذلك [10] دليلا على أنّه لا فعل له في نفسه.
و أمّا إذا وجد و قد [11]
لا يشغله غيره فلا [12] يحتاج إليه، فدلّ على أنّ له فعلا
بنفسه.
التّفسير: إنّما سمّى هذا الفصل بالتّبصرة لأنّه مشتمل على بيان أنّ
النّفس غير هذا [13] البدن و غير حالّة فيه [14]، فكان الإنسان عمى عن رؤية نفسه حتّى
اشتبه به غيره [15]. و هذا الفصل سبب لأن يصير بصيرا
بنفسه، فلهذا [16] سمّاه بالتّبصرة.
ثمّ نقول: لمّا بيّن بقاء ذات النّفس بعد فساد البدن شرع بعده بيان
أنّ عاقليّتها [17] لمعقولاتها باقية أيضا بعد فساد البدن
للحجّة المذكورة بعينها في المسئلة السالفة، و هى: أنّ القابل للصّور العقليّة [18] جوهر النّفس، و الفاعل لها هو الجواهر [19] العقليّة، و هما موجودان بعد فساد
البدن. و متى