[الفصل الأوّل [فى بيان أنّ الانسان لا يغفل عن إدراك ذاته قطّ و
يعلم إنّيّته حال ما يكون غافلا عن بدنه و جميع أعضائه]]
تنبيه: إرجع إلى نفسك و تأمّل هل إذا كنت صحيحا، بل و على بعض
أحوالك غيرها، بحيث تفطن للشّىء [3] فطنة صحيحة، هل تغفل عن وجود ذاتك، و لا تثبت نفسك؟ ما عندى أنّ
هذا يكون للمستبصر. حتّى أنّ النّائم في نومه، و السكران في سكره، لا تعزب [4] ذاته عن ذاته، و إن لم يثبت تمثّله
لذاته في ذكره.
و لو توهّمت ذاتك قد خلقت أوّل خلقها صحيحة العقل [5] و الهيئة، و فرض أنّها على جملة من
الوضع و الهيئة، لا تبصر [6] أجزاؤها، و لا تتلامس أعضاؤها، بل هى منفرجة و معلّقة لحظة ما في
هواء طلق، وجدتها قد غفلت عن كلّ شىء إلّا عن ثبوت إنّيّتها.
التّفسير [7]: إعلم أنّ الحقّ عند الحكماء أنّ الّذى
[8] يشير إليه كلّ واحد منّا إلى نفسه و ذاته بقوله:
أنا؛ ليس بجسم و لا بحالّ [9] فى الجسم أيضا [10]. و المقصود من هذه الفصول إثبات أنّه
[11] ليس بجسم. و أمّا المقام الثّانى و هو أنّه ليس بحالّ في الجسم فذلك
يبيّن بعد ذلك. فنقول: الدّليل على [12] ذلك أنّ الذّات المخصوصة الّتى لكلّ إنسان قد تكون معلومة حال ما لا
يكون شىء من أعضائه معلوما، و ذلك يقتضى أن تكون ذاته المخصوصة [13] مغايرة لجميع [14] أعضائه. و بيان الأوّل من وجهين:
فتارة يدّعى أنّه يستحيل أن يصير الإنسان غافلا عن إدراك
[15] ذاته المخصوصة، ثمّ يبنى عليه الغرض. و تارة لا يدّعى ذلك و لكن
تبيّن أنّ الإنسان قد يدرك ذاته المخصوصة عند ذهوله عن كلّ أعضائه.
[1] - من أوّل النّمط إلى ههنا «التّفسير أمّا النّفس ... عن هذا
البدن»: سقط هنا من س. و جاء بعد تمام عبارة التّنبيه.